ولم أتحقّق معنى قوله : لاستحالة التّرجيح من غير مرجّح ، إذ المفروض عدم ملاحظة المرجّح ، وإلّا فقد يوجد المرجّح لأحدهما.
وتوجيهه أن يقال : إنّ مراده إذا أمكن العمل بكلّ منهما ولو كان بإرجاع التّوجيه الى كليهما ، فمع ذلك لو عمل بأحدهما وترك الآخر فيلزم التّرجيح بلا مرجّح ، إذ المفروض أنّ موضوع الحكمين متغاير في الدّليلين ، فلا معنى لملاحظة المرجّح بينهما ، لأنّ كلّ واحد من الدّليلين حينئذ دليل على حكم شيء آخر ، فضعف أحدهما بالنّسبة الى الآخر لا يصير منشأ لترك مدلوله.
وذلك كما لو فرضنا أنّ واحدة من المسائل الفقهيّة تثبت بنصّ الكتاب ، وأخرى مباينة لها بخبر واحد ، فبعد ملاحظة القرائن المخرجة للّفظ عن الظّاهر يصير موضوع الدّليلين مختلفا ، فالعمل على أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، إذ كلّ منهما قام دليل على طبقة [طبقه] ، وتكليف المكلّف في كلّ مسألة العمل بمقتضى ما يدلّ عليه دليلها ، فالعمل بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.
هذا ، ولكنّ الإشكال في معنى قولهم : هذا ومرادهم من الجمع ، فإن كان مرادهم وجوب التّفحّص والتّفتيش عن القرائن والأمارات اللّفظيّة والحاليّة والتّعارفيّة وتحصيل ما ظهر للمجتهد أنّه قرينة على إرادة خلاف الظّاهر من كلّ من الدّليلين ، كما في صلاة العاري قائما أو جالسا كما مرّ ، أو من أحدهما كما في العامّ والخاصّ المطلقين ، كما أشرنا في موضعه.
أو كما في العامّ والخاصّ من وجه ، كما إذا قامت (١) قرينة على إرادة بعض الأفراد في أحدهما دون الآخر ، وهكذا.
__________________
(١) في نسخة الأصل (قام).