فلا ريب أنّ الأمر كما ذكروه ، ولكن ينبغي التّأمّل في القرينة أنّه إذا قامت على معنى خلاف الظّاهر في الدّليل الأقوى لم يوجب تقديم الأضعف على الأقوى ، بل لا بدّ أن تكون تلك القرينة قويّة بحيث يغلب قوّته على ظهور الدّليل الأقوى حتّى لا يلزم ترجيح الأضعف على الأقوى.
مثلا ، إذا وقع التّعارض بين خبر الواحد وظاهر الكتاب ، ولكن كان هناك خبر آخر معمول به عند المعظم ، أنّ المراد بظاهر الكتاب هو خلاف ظاهره ، فيعمل على الدليلين ، ولم يستلزم ذلك تقديم الأضعف على الأقوى.
مثلا إذا ورد خبر في جواز التكلّم والقراءة عند سماع صوت قارئ القرآن ، فهو معارض لقوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)(١) فحينئذ نقول : إنّ صحيحة زرارة (٢) المفسّرة للآية بقوله عليهالسلام : «يعني في القراءة خلف الإمام». قرينة لإرادة خلاف الظّاهر من الآية.
فحينئذ يجمع بين العمل بالرّواية الأولى وظاهر القرآن ، بحمله على القراءة خلف الإمام ، فيجوز التّكلّم والقراءة في غير خلف الإمام عند قراءة القرآن ، وإن كان مرادهم كما هو ظاهر كلماتهم أنّ محض الجمع بين الدّليلين يكفي لإخراج لأحدهما أو كليهما عن الظّاهر.
__________________
(١) الأعراف : ٢٠٤.
(٢) في «تفسير العيّاشي» الأعراف ح ١٣٣ عن زرارة قال أبو جعفر عليهالسلام : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) في الفريضة خلف الإمام (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وفيه أيضا في الحديث ١٣٤ عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها ، وإذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع.