أمّا التّرجيح من جهة السّند فمن وجوه :
الأوّل : كثرة الرّواة ، أي تعدّدها في كلّ طبقة ، فيرجّح ما رواته أكثر لقوّة الظنّ لتعاضد الظّنون الحاصلة بعضها ببعض ، وهذا هو الذي قد ينتهي الى التّواتر وإفادة اليقين.
الثّاني : قلّة الوسائط ، وهو الذي يسمّونه علوّ الإسناد (١) ، فهو راجح على ما كثرت وسائطه ، لأنّ تطرّق احتمال الكذب والسّهو والغلط وغيرها في الأوّل أقلّ وهو واضح.
وعارضه العلّامة رحمهالله في «النّهاية» بالنّدور والقلّة فيكون مرجوحا من هذه الجهة.
وهذا إنّما يتمّ فيما لم يعلم إدراك كلّ من الوسائط للآخر ، وكانت الفاصلة بين المرويّ له والإمام عليهالسلام المرويّ عنه مدّة يستبعد طول عمر هذه الوسائط بحيث يستوعبها. وأمّا فيما علم فيه الحال وإدراك كلّ منهما لمن فوقه وشاع روايته عنه ، فلا وجه له.
الثّالث : رجحان راوي إحداهما على الأخرى من حيث الصّفات الموجبة لرجحان الظنّ مثل : الفقه ، والعدالة ، والضّبط ، والفطنة ، والورع.
ولا يخفى وجه التّرجيح ، لأنّ الفقه يوجب معرفة أسباب الحكم وموارد وروده ومناسبة حال المرويّ له وكيفية الرّواية ، وذكر حال السّماع ممّا يتفاوت به فهم المخاطب لمعنى الحديث ، وكذلك سائر الصّفات المذكورة يوجب الظنّ بالصّدق وعدم الغفلة ، فيحصل الفرق بين العالم والأعلم ، والورع والأورع ، والضّابط
__________________
(١) في نسخة الأصل (الأسناد).