عمير كانت أشهر عند المحدّثين من الأصول الأربعة عندنا ، بل كانت الأصول المعتبرة الأربع مائة أظهر من الشّمس في رابعة النّهار ، فكما أنّا لا نحتاج الى سند لهذه الأصول الأربعة ، وإذا أوردنا سندا فليس إلّا للتيمّن والتّبرّك والاقتداء بسنّة السّلف ، وربّما لم يبال بذكر سند فيه ضعف أو جهالة لذلك ، فكذا هؤلاء الأكابر من المؤلّفين لذلك كانوا يكتفون بذكر سند واحد الى الكتب المشهورة وإن كان فيه ضعيف أو مجهول ، وهذا باب واسع شاف نافع إن أتيتها يظهر لك صحّة كثير من الأخبار التي وصفها القوم بالضّعف.
ولنا على ذلك شواهد كثيرة لا تظهر على غيرنا إلّا بممارسة الأخبار وتتبّع سيرة قدماء علمائنا الأخيار.
ولنذكر هنا بعض تلك الشّواهد لينتفع بها من لم يسلك مسالك المتعسّف المعاند.
الأوّل : أنّك ترى الكليني رحمهالله يذكر سندا متّصلا الى ابن محبوب أو الى ابن أبي عمير أو الى غيره من أصحاب الكتب المشهورة ، ثمّ يبتدئ بابن محبوب مثلا ويترك ما تقدّمه من السّند ، وليس ذلك إلّا لأنّه أخذ الخبر من كتابه ، فيكتفي بإيراد السّند مرّة واحدة ، فيظنّ من لا رويّة له في الحديث أنّ الخبر مرسل.
الثّاني : أنّك ترى الكلينيّ والشيخ وغيرهما يروون خبرا واحدا في موضع ويذكرون سندا الى صاحب الكتاب ، ثمّ يوردون هذا الخبر بعينه في موضع آخر بسند آخر الى صاحب الكتاب أو بضمّ سند أو أسانيد غيره إليه ، وتراهم لهم أسانيد صحاح في خبر يذكرونها في موضع ثمّ يكتفون بذكر سند ضعيف في موضع آخر ، ولم يكن ذلك إلّا لعدم اعتنائهم بإيراد تلك الأسانيد لاشتهار هذه الكتب عندهم.
الثّالث : أنّك ترى الصّدوق مع كونه متأخّرا عن الكلينيّ أخذ الأخبار في