فما الدّليل على تقديم بعض تلك الأخبار على بعض وترجيحه.
فإن اعتمدت في التّرجيح على بعض تلك الأخبار تحكّما لأنّه خبر واحد ثبت حجّيته ، فمع منع شمول الدّليل لذلك ، ولزوم التّرجيح من غير مرجّح.
فيه : أنّه قد يستلزم الدّور كما لا يخفى.
وإن اعتمدت على مرجّح خارجيّ فهو ليس إلّا العمل بظنّ المجتهد ، لا الخبر من حيث إنّه خبر ، وهو خروج عن الفرض.
فالتّحقيق في توجيه هذه الأخبار أن يقال : إنّها وردت في تعليم طريقة الاجتهاد في معرفة حقيّة الخبر وموافقته للحقّ النّفس الأمريّ ، لا مجرّد معرفة ما هو صادر عن الإمام عليهالسلام عن غيره.
وظاهرها أنّ المراد منها الاجتهاد في أخبار الآحاد لا الأخبار القطعيّة ، وتلك الأخبار أيضا من الأدلّة الدّالة على أنّ جلّ أخبارنا ظنيّة.
وما يتوهّم أنّ ذكر هذه المرجّحات في الأخبار من باب التّعبد لا استعلام التّرجيح النّفس الأمريّ ، فهو من الخيالات الفاسدة التي تقطع السّليقة المستقيمة بفسادها ، فحينئذ نقول : مقتضى تعليم طريقة التّرجيح ، ملاحظة جميع الوجوه ، فوجه اقتصار الإمام عليهالسلام في بعضها بواحد من الوجوه إنّما هو مع فرض التساوي في سائر وجوه التّرجيح ، أو أنّ ذلك الرّاوي كان محتاجا الى الوجه الذي اقتصر الإمام عليهالسلام وكلّ وجه من الوجوه المذكورة مبنيّ على داع دعا إليه ، فلمّا كان الملاحدة والغلاة والزّنادقة خاصموا دين الله تعالى وكتابه فدعت أهواؤهم الى وضع أخبار مخالفة للكتاب والسنّة ونسبوها الى صاحب الشّرع لتشويه الدّين المبين وترويج طريقة المبطلين ، فنظر الإمام عليهالسلام في العرض على كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الى إرشاد جماعة كانوا مبتلين بمعاشرة أمثال هؤلاء واستماع