معنى تقديمه على الأصل في بعض المواضع.
فإن قلت : تقديمه على الأصل في كلّ ما قدّم عليه إنّما هو بالدّليل لا من حيث هو ظهور.
قلت : فحينئذ فأيّ فائدة في عقد هذا الباب ، فالكلام في التّرجيح يدور مدار الدّليل القائم على حقيّة ما هو الظّاهر المطابق له ، فيرجّح على الأصل ، والدّليلين المتخالفين الموافق أحدهما للأصل والآخر للظاهر ، فيرجّح الأقوى منهما بسبب المعاضدات والمرجّحات على الآخر.
وأنت كما ترى الكتب الفقهيّة والأصوليّة مشحونة بذكر المواضع التي وقع التّعارض بين الأصل ونفس الظّاهر ، ويتكلّمون عليها ويختلفون فيها ، فبعضهم يرجّح الظّاهر ، وبعضهم يرجّح الأصل ، بل الظّاهر من كلام العلماء أنّ الشّارع جعل ذلك مناطا للحكم الشّرعيّ ، ويبني في بعض المواضع الحكم على الظّاهر ، وفي بعضها على الأصل بحيث يظهر من كلامهم أنّ الظّاهر أيضا أصل من الأصول ، وذلك كما في نفي الضّرر [الضّر] ونفي الحرج.
فقد تراهم يعقدون لنفي الضّرر والحرج بابا في الأصول ، ثمّ يذكرون من فروعها القصر في السّفر والتيمّم عند الضّرورة ، والخيار عند الغبن ، وغير ذلك ، وإلّا فمع حكم الشّارع بوجوب القصر أو التيمّم ، لا حاجة الى الاعتماد على الضّرر والحرج ، ولذلك يستدلّ الفقهاء بنفي الضّرر والحرج مستقلّا في غاية الكثرة من غير نظر الى ورود نصّ بالخصوص فيما نوافقه ، وكذلك الكلام في قاعدة اليقين وغير ذلك.
وكلامهم في هذا الباب أيضا نظير البابين المتقدّمين ، فلاحظهم يذكرون بعد عقد الباب في ذكر الفروع الأمثلة التي ثبت من الشّارع تقديم الأصل كما في