من الآيات والأخبار عموم من وجه ، فكذلك في المذكورات ، فقد يقع بين قاعدة اليقين وقاعدة العمل بالظّاهر تعارض من وجه ، وهذا هو الذي ذكره الأصوليّون. ونقلوا اختلاف الفقهاء في موارد ترجيح بعضها على بعض ، فما وقع الإجماع على أحد الطّرفين ، فلا إشكال فيه ، وما اختلف فيه ، فإمّا يعتضد أحد الطرفين برواية أو ظاهر آية أو نحوهما ، فيرجّح على الآخر ، وما لم يحصل فيه شيء من ذلك فإمّا يحصل للمجتهد ظنّ في التّرجيح من جهة الاعتضاد بظاهر آخر أو أصل آخر فيعمل عليه ، وإمّا لا يحصل ، فيتوقّف فيه فيعمل على مقتضاه من التخيير أو الاحتياط.
فظهر من جميع ما ذكرنا ، أنّ الظّاهر والظنّ الحاصل من العادة والغلبة والقرائن أيضا ممّا اعتمد عليه الشّارع ، وهذا باب مطّرد في الفقه لا ينكره إلّا من لا خبرة له بطرائقهم.
فإن قلت : إنّ كلماتهم هذه في بيان تحقيق معنى المدّعى في صورة الدّعوى ، فمن يقدّم الظّاهر فإنّما يريد أنّ الظهور يقتضي كون من يخالفه مدّعيا ، فهذا التحقيق حقيقة اللّفظ المدّعى الوارد في الأخبار.
فقولهم : إنّ الظّاهر مقدّم على الأصل ، يريدون أنّ من يدّعي الظّاهر هو المنكر ، ويقدّم قوله مع فقد البيّنة ، وذلك كما يقدّمون قول البائع في تمام الكيل والوزن على قول المشتري بنقصه مع حضور المشتري حين الكيل ، لأنّ الظّاهر أنّ المشتري لا يسامح في ذلك ، فالقول قول البائع وهكذا.
قلت : ليس كذلك ، بل كلامهم أعمّ من ذلك كما ترى خلافهم في غسالة الحمّام وطين الطريق وغيرهما ، وكذلك الكلام في التّرجيح بين الزّوجين المتداعيين في مقدار المهر ، حيث تدّعي الزّوجة مهر المثل ، والزّوج أقلّ منه ، فالكلام فيه يرجع