الأصل ، وعكسوا في موضع آخر ، فانقطع المناص إلّا عن الرّجوع الى ظنّ المجتهد ، بل هناك إشكال آخر ، وهو أنّ من جملة الظّواهر غلبة الصحّة في أفعال المسلمين ، ولا ريب أنّه يختلف باختلاف الأوقات والأزمان ، فقد لا يحصل الظنّ أبدا في فعل جماعة منهم أو في زمان دون زمان ، فيحتاج تعيين أصل الظّواهر والتمييز في نفسها الى اجتهاد آخر فضلا عن ملاحظة متعارضاتها. ويؤيّد ما ذكرنا كلام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في «نهج البلاغة» (١) : «إذا استولى الصّلاح على الزّمان وأهله ، ثم أساء رجل الظنّ برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزّمان وأهله ثمّ أحسن رجل الظنّ برجل فقد غرر».
ثمّ اعلم أنّ قاعدة اليقين المستفادة من الأخبار لا بدّ أن يكون معناها : لا يجوز نقض اليقين النّفس الأمريّ أو الظنّ اليقينيّ العمل إلّا باليقين كذلك. والمفروض أنّ ظهور حصول سبب الحكم من جهة الغلبة أو القرائن ، ظنّ يقينيّ العمل ، وإلّا لما جاز تقديمه على الأصل مطلقا ، فيصير مفاد القاعدة : جواز نقض اليقين السّابق بكلّ ظنّ حصل بتحقّق سبب الحكم المخالف للحكم الأوّل ، فحينئذ يحتاج فيما يعمل على الأصل ويترك الظّاهر الى دليل خارجيّ.
فتقديم الأصل على الظّاهر هو مخالف للقاعدة ومخصّص لها ، يصير المعنى حينئذ : يجوز نقض اليقين السّابق بأيّ من المعنيين باليقين اللّاحق بأيّ من المعنيّين إلّا في مثل اليقين بالطهارة مثلا في ثوب المصلّي أو بدنه ، فإنّه لا يجوز نقضه باليقين اللّاحق مطلقا ، بل إنّما يجوز نقضه باليقين النّفس الأمريّ مثل رؤية
__________________
(١) قصار الحكم رقم ١١٤.