يمكن أن يقال : إن حصل الظنّ النّفس الأمريّ بقول الميّت ، والظنّ النّفس الأمريّ على خلافه بقول الحيّ ، فأصالة حرمة العمل بالظنّ يقتضي عدم جواز العمل به ، خرج تقليد الحيّ بالإجماع ، وبقي تقليد الميّت تحت العموم.
وكذلك لا يمكن هذا الكلام إذا حصل الظنّ النّفس الأمريّ بقول الميّت فقط ، إذ ليس حينئذ ما حصل بقول الحيّ ظنّا وكذا العكس ، فلا بدّ أن يقال : المراد بالظنّ في آيات التّحريم هي (١) الأمور التي تفيد الظنّ لو خلّيت وطبعها ، فالعمل عليها حرام إلّا ما أخرجه الدّليل كتقليد الحيّ ، أو يقال : المراد بالظنّ في الآيات هو عدم العلم ، يعني يحرم العمل بغير علم إلّا فيما أخرجه الدّليل ، كتقليد الحيّ ، فحينئذ يصير وجوب متابعة الحيّ دون الميّت من باب التعبّد ، ويصير العمل بقول الحيّ من باب البيّنة ، فإنّ حجّيتها من باب وضع الشّارع إلّا من باب إفادتها الظنّ ، وإن كان غالبا يفيد الظنّ فهو أيضا من باب التعبّد ، ولذلك يسمع في بعض المواضع شهادة رجل وامرأتين ، ولا يسمع في موضع آخر وإن أفاد الظنّ أقوى من شهادة رجلين ، وهكذا.
وإذا صار من باب التعبّد فكيف يتمّ ذلك مع لزوم متابعة الأعلم والأورع في الأحياء لكونه أرجح وأقوى ، مع أنّ ذلك تحصيل للظنّ النّفس الأمريّ ، فلو فرض حصول الظنّ النّفس الأمريّ بقول الميّت وعدول المقلّد عنه الى الأحياء المختلفين مع الميّت في القول ، المتفرّقين في الآراء ، فكيف يقال بعد تحرّي الأقوى والأرجح والأقرب من فتاوى الأحياء الى نفس الأمر أنّ هذا أقرب الى نفس الأمر ، مع أنّ المفروض كون فتوى الميّت عنده أقرب الى نفس الأمر ، ولا معنى
__________________
(١) في نسخة الأصل (هو).