بينهم من عدم جواز تقليد الميّت ، وهو مع ما فيه على إطلاقه ممّا سيجيء في محلّه ، أنّ في كلامهم ما ينافيه أيضا كما عرفت.
ومن ذلك يظهر بطلان قول خصمائنا في المسألة القائلين بحرمة عمل المجتهد على الظنّ إلّا الظّنون المعلوم الحجّية ، إذ ليس معنى قولنا : إنّ المسألة الفقهيّة إذا كانت الشّهرة تدلّ على أحد طرفيها وخبر الواحد على الطرف الآخر ، يقدّم مقتضى الخبر فيها ، لأنّه معلوم الحجّية دون مقتضى الشّهرة ، إلّا أنّ الشّارع جعل الخبر كالبيّنة دون الشّهرة ، لا أنّه يجوز العمل بهذا الظنّ دون ذلك ، لعدم إمكان اجتماع الظنّين في موضوع واحد.
فمقتضى ذلك لزوم العمل بخبر الواحد وإن لم يفد الظنّ بالحكم بخصوص المسألة في نفس الأمر ، وهو كما ترى مخالف لكلمات الخصماء فضلا عن موافقينا في القول ، ولا يمكنهم القلب علينا بأنّ ذلك يرد عليكم بالنسبة الى القياس لو حصل منه الظنّ في أحد طرفي المسألة وكان في الطّرف الآخر خبر مثلا ، لعدم حصول الظنّ النّفس الأمريّ حينئذ بالخبر ، فيكون العمل به حينئذ تعبّديّا ، وذلك لأنّا لا نمنع حصول الظنّ بالقياس سيّما فيما خالفه خبر وسنشير إليه.
سلّمنا ، لكن نقول حينئذ : لا نعمل بالقياس ولا بالخبر ، لحرمة هذا وعدم حصول الظنّ بهذا ، بل نعمل بالأصول والقواعد ، فنحكم بالتّخيير حينئذ ، وعلمنا حينئذ على ما هو مقتضى القياس لو اخترناه ليس من جهة انّه مقتضاه ، بل لأنّه أحد طرفي التّخيير.
وأمّا على طريقتهم ، فيعملون بالخبر لأنّه حجّة وإن لم يفد الظنّ أصلا ، مع أنّ ذلك كيف يجتمع مع ما التزموه من مراعاة التّراجيح بينها إذا اختلف ، ولزوم تحصيل ما هو أقرب الى نفس الأمر كما يستفاد من ملاحظة الأخبار العلاجيّة ،