أيضا مبنيّة على تحصيل الأقرب الى نفس الأمر ، فيلزم على هذا عدم كون البيّنة أيضا تعبّديّة ، ولا بدّ أن تكون تابعة للظنّ النّفس الأمريّ.
قلت : قد ثبت كون البيّنة تعبّديّة بالدّليل ، ومحدودة عند الشّارع بالحصر المقرّر الثّابت ، بخلاف مثل خبر الواحد وتقليد الحيّ ، فإنّ غايتهما ثبوت حجّيتهما لا انحصار الحجّية فيهما ، ولا استبعاد في أن يبني الشّارع إثبات المطالب على شيء خاص تعبّدا كما فعله في قاعدة اليقين.
ثمّ لا استبعاد بعد ذلك في صورة تعارض أشخاص هذه التعبّديّات في الحكم ، بالرّجوع الى تحصيل ما هو الأقرب الى نفس الأمر منها ، كما في قاعدتين من قواعد اليقين إذا تعارضتا كما في الذّبابة الواقعة على الثّوب الطّاهر من نجاسة رطبة عن قريب ، فإذا تعارضت البيّنتان فلا مانع من أن يحكم الشّارع بالعمل على ما هو أرجح منهما حصولا من حيث المدلول بالنّسبة الى نفس الأمر إن لم يكن هناك ظنّ ثالث منع عن تحصيل الأقرب الى نفس الأمر في نفس الأمر ، وإن فرض ذلك ، فيكون الرّجوع الى المرجّحات أيضا تعبّديّا ، كما يظهر من ملاحظة كلام العلماء في تعارض بيّنة الدّاخل والخارج. فإنّ ترجيح أحدهما على الآخر إمّا من جهة القرب النّفس الأمريّ ، كإفادة اليد الظنّ بذلك ، والاستصحاب ونحوهما منضمّا الى الأخبار الواردة في تقديم الدّاخل ، أو كإفادة كون التّأسيس أولى من التّأكيد ونحوه الخارج.
وإن كان هناك ظنّ ثالث منع عن تحصيل الظنّ النّفس الأمريّ بأحدهما ، فنقتصر في المرجّحات على التعبّد ونعمل بما ورد في الأخبار من تقديم أيّهما تعبّدا. ثمّ لا مانع بعد ذلك في تعارض تلك الأخبار الواردة في حكمها أيضا من العمل بالظنّ النّفس الأمريّ بالنّظر الى متابعة أيّهما تعبّدا.