ولا يمكن جريان ذلك في الأخبار المتعارضة في المسألة الفقهيّة إذ لا يمكن حمل الأخبار العلاجيّة على التعبّد كما سنشير إليه في الخاتمة ، بخلاف ما دلّ على تقديم ذي اليد على غيره أو العكس ، مع أنّ ظاهر كلامهم في البيّنات مفروض فيما انحصر الحقّ بين اثنين وتعارض البيّنات ، وحينئذ فلا مانع من مراعاة نفس الأمر ، وهؤلاء لا يقولون بهذا التّفصيل ، ولا يمكنهم القول به فيما لو كان هناك ظنّ ثالث خارج عن الخبرين لم يعتبر شرعا لعدم دلالة الأخبار العلاجيّة عليه حينئذ كما سنبيّنه في الخاتمة ، وليس شيء آخر يدلّ عليه ، وكذلك الكلام في التقليد والفتاوى.
فإن قلت : إنّ ما دلّ على حرمة العمل بالقياس مثلا يدلّ على كون العمل بغيره ، مثل الخبر الواحد تعبّديا كالعمل بالبيّنة ، فهذا أيضا كالحصر والتّحديد في البيّنة.
قلت : لا دلالة في ذلك على ذلك ، إذ هو إنّما يتمّ لو سلّمنا كون العمل بالقياس منهيّا لكونه مفيدا لهذا الظنّ الخاصّ ، وكون العمل بالخبر جائزا لكونه مفيدا لهذا الظنّ الخاص ، وكلاهما ممنوعان.
أمّا الأوّل ، فلأنّا لا نمنع كون القياس مفيدا للظنّ ، سيّما بعد ما ورد في الأخبار المتواترة المنع عنه ، وخصوصا بعد ملاحظة ما ذكروه في بيان عدم الجواز من جهة أنّ دين الله تعالى لا يصاب بالقياس (١) ، لأنّ الحكم الكامنة في الأشياء لا يعلمها إلّا الله الحكيم العليم.
__________________
(١) «إنّ دين الله لا يصاب بالمقائيس» «الكافي» ١ / ١٠٧ باب البدع والرّأي والمقاييس ح ٧.