وأمّا مع فرض التّفطّن والإمكان ، فلا يتمّ الأصل للعلم باشتغال الذّمة وإمكان التّحصيل ، لأنّ العلم الإجمالي كاف في وجوب تحصيل التّفصيل كما في المثال المشهور بتكليف المولى عبده بالعمل على الطّومار الممهور ، ولا حرج فيه يوجب سقوط التكليف.
واحتجّوا أيضا : (١) بأنّ المأمور به هو نفس العبادة وكونها مأخوذة من الإمام عليهالسلام أو من المجتهد ، غير داخل في حقيقته ، فمتى وجد في الخارج ، يحصل الامتثال ، والأصل عدم مدخليّته كونها مأخوذة منهم في ماهيّة العبادات.
وكلامهم هذا يقتضي كفاية ذلك ، وإن علم بوجوب المعرفة والتحصيل وقصّر فيه واكتفى بظنّه أو بتقليد من لا يجوز تقليده وهو صريح كلام بعضهم ، وقد يقيّد بعدم العلم بنهيه عن ذلك حين الفعل.
أقول : لا مناص في صحّة العبادات من قصد الامتثال كما حقّقناه سابقا في محلّه ، وهو المراد من قصد التقرّب ، ولا يصحّ قصد الامتثال إلّا مع معرفة كون ذلك الفعل هو ما أمر به الآمر ، فإذا لم يعرف ذلك فكيف يقصد به التقرّب ، وهذا هو الفارق بين الواجبات التوقيفيّة والواجبات التوصّلية ، كما بيّناه سابقا. فإن اعتبر هؤلاء مجرّد الموافقة وإن كان المصلّي عالما بوجوب التّحصيل ومقصّرا في ذلك ، فهو باطل لعدم تحقّق الامتثال العرفيّ للزوم الجزم بالإطاعة ، والمفروض أنّ مع العلم بوجوب التحصيل لا يبقى الاطمئنان بظنّه وتقليده ، فهو في الحقيقة ليس بظنّ كما أشرنا سابقا.
والحاصل ، أنّ الامتثال العرفيّ لا يحصل إلّا بقصد الامتثال ، وقصد الامتثال
__________________
(١) كالسيد صدر الدّين في شرحه «للوافية».