فإن قلت : الدّليل عليه أنّه ظاهر الكتاب مثلا هو حجّة إجماعا ، فالعامّ الدّال على حرمة العمل بالظنّ قطعيّ العمل فلا محال.
قلت : المسلّم من الإجماع هو حجّية ما هو مراد من الكتاب ، لا ما هو ظاهر منه ، فإنّ حجّية ظواهر الكتاب مسألة اجتهاديّة ، وانعقاد الإجماع عليها ممنوع لمخالفة الأخباريّين اعتمادا على أخبار كثيرة مذكورة في محلّها.
سلّمنا عدم الاعتناء بشأنهم وإمكان إخراج تلك الأخبار عن ظاهرها لمعارضتها بأقوى منها ، لكنّا نقول : المسلّم منه هو حجّية متفاهم المشافهين والمخاطبين ومن يحذو حذوهم ، لأنّ مخاطبته كان معهم ، والظّن الحاصل للمخاطبين من جهة أصالة الحقيقة أو القرائن المجازيّة حجّة إجماعا ، لأنّ الله تعالى أرسل رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكتابه بلسان قومه ، والمراد بلسان القوم هو ما يفهمونه ، وكما أنّ الفهم يختلف باختلاف اللّسان ، فكذلك يختلف باختلاف الزّمان ، وإن توافق اللّسان فحجّية متفاهم المتأخّرين عن زمن الخطاب وظنونهم يحتاج الى دليل آخر غير ما دلّ على حجّية متفاهم المخاطبين المشافهين لمنع الإجماع عليه بالخصوص ، ولا يمكن إثبات ذلك حينئذ إلّا بأحد وجهين :
الأوّل : انحصار السّبيل الى الحكم في العمل بتلك الظّنون ، ودلالة استحالة التكليف بما لا يطاق عليه وهو ما ذكرناه ، لأنّ ذلك هو مقتضى الدّليل العقليّ المقتضي لحجّية ما يفتح السّبيل من الظّنون من حيث هي ظنّ ، لا من حيث إنّه ظنّ خاصّ ، إذ الدّليل القطعيّ لا يدلّ على حجّية ظنّ خاصّ ، والمفروض أنّ الإجماع غير مسلّم في الظنّ الحاصل لغير المشافهين.
والثاني : أنّ الكتاب العزيز من قبيل تأليف المصنّفين الّذين يقصدون بكتابهم بقاءه أبد الدّهر ليفهم منه المتأمّلون فيه بكرور الأيّام على مقدار فهمهم ، ويعلمون