ولزوم تكليف ما لا يطاق في الغافل والجاهل رأسا هو المخصّص لكلّ ما يمكن أن يستدلّ به من العمومات والإطلاقات لو سلّم عمومها ودلالتها ، لأنّ الظّنّي لا يعارض القطعيّ.
واحتجّوا أيضا : بروايات مثل ، ما ورد في حكاية عمّار (١) أنّه أصابه جنابة فتمعّك في التّراب. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كذلك يتمرّغ الحمار ألا صنعت كذا ، فعلّمه التيمّم».
ومثل ما ورد في حكاية براء بن معرور حيث تطهّر بالماء (٢) ، وصار ممدوحا بهذا مع أنّه لم يأخذه من الشّارع ، ونحو ذلك.
وفيه : أنّ هذه الأخبار ليست باقية على ظاهرها ، ولا بدّ من تأويلها لمخالفتها للدليل القطعيّ فيمن يتمكّن من التحصيل وتفطّن لوجوب معرفة الأحكام بالتفصيل. فالتنديم والتوبيخ على عمّار إنّما يرجع الى تقصيره في عدم السّؤال حتّى يفعل صحيحا ، وإن فرض أنّ عمار كان جاهلا بلزوم السّؤال ، وغافلا عن
__________________
(١) «الوسائل» ٣ / ٣٦٠ ح ٣٨٦٨.
(٢) في «الوسائل» ١ / ٣٥٤ باب ٣٤ استحباب اختيار الماء على الأحجار ... ح ٣ ، عن محمد بن علي بن الحسين في «الخصال» قال : كان الناس يستنجون بالأحجار ، فأكل رجل من الأنصار طعاما ، فلان بطنه ، فاستنجى بالماء ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة : ٢٢٢) ، فدعاه رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فخشي الرّجل أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه ، فلمّا دخل ، قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل عملت في يومك هذا شيئا؟ قال : نعم يا رسول الله ، أكلت طعاما فلان بطني ، فاستنجيت ، بالماء ، فقال له : أبشر ، فإنّ الله تبارك وتعالى قد أنزل فيك : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فكنت أنت أوّل التّوابين ، وأوّل المتطهّرين ويقال : إنّ هذا الرّجل كان البرّاء بن معزوب (في المصدر : البراء بن معرور) الأنصاري.