باب الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار (١)
إن قال قائل : لم وجب لهذه الأفعال أن ترفع الأسماء وتنصب الأخبار وليست بأفعال مؤثرة ، وإنما يخبر بها (٢) عما مضى ، ويخبر عما يستقبل ، ولا تخبر أنه قد وقع فعل على مفعول نحو قولك : كان زيد قائما؟
فالجواب في ذلك : أن هذه الأفعال لما كانت عبارة عن الجمل وجب من حيث كانت أفعالا أن تجري حكم ما بعدها كحكمه بعد الأفعال ، ولو أبطلنا عملها لحصل بعدها اسمان مرفوعان من غير عطف ولا تثنية وهذا لا يوجد له نظير في الأفعال الخفيفة فوجب أن يرفع أحد الاسمين ليكون المرفوع كالفاعل ، وتنصب الثاني ليكون كالمفعول فلهذا وجب أن ترفع الأسماء وتنصب الأخبار.
والدليل على أنها أفعال وجود التصرف فيها ، واتصال الضمير بها الذي لا يتصل إلا بالأفعال كقولك : كان يكون فهو كائن ومكون ، كما تقول : ضرب يضرب فهو ضارب ، وتقول : كنت ، كما تقول : ضربت ، فهذا دليل قاطع على أنها أفعال وكذلك أيضا (ليس) فعل لأنه تقول لست كما تقول ضربت.
فإن قال قائل : فما الذي منع ليس من التصرف (٣)؟.
فالجواب في ذلك أنه لما دخلها معنى النفي ضارعت (ما) التي للنفي ، حتى إن بعض العرب (٤) يجري (ليس) مجرى (ما) ، فلما دخلها شبه الحروف والحروف لا تتصرف ، لم تتصرف هي أيضا وألزمت وجها واحدا.
__________________
(١) أي الأفعال الناقصة ، ولم تكن هذه التسمية قد عرفت بعد.
(٢) في الأصل : يخبر عنه بهاعما ... ، وفيها زيادة لا فائدة منها.
(٣) انظر الكتاب ١ / ٤٦ (هارون) و ١ / ٥٧ هذا باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ثم يصير إلى أصله.
(٤) وهم أهل الحجاز الذين أعملوا (ما) عمل (ليس).