بعد كل ، لأن كل اسم علم ممتنع من الصرف في المعرفة ، ينصرف في النكرة لخفة النكرة ، وكل صفة على فعلاء لا تنصرف في معرفة ولا نكرة ، فلهذا امتنع سوداء وبيضاء من الصرف ولم تؤثر فيه كل فاعرفه ، وتقول : ما زيد قائما بل قاعد ، ترفع قاعدا ؛ لأنه وقع بعد (بل) ، و (بل) فيها معنى الإضراب عن الأول والإثبات لما بعدها ، فصارت بمنزلة (إلا) فلهذا وجب الرفع في قاعد ، وتقول : ما زيد قائما ولا أبوه ، فترفع الأب بقيامه ، وأبو العباس يقدر هذه المسألة على تقدير : ما زيد آكلا شيئا إلا الخبز (١) ، وكذلك ما زيد قائما أحدا إلا أبوه والذي دعاه إلى هذا التقدير أن الاستثناء يجب أن يكون من الجملة و (إلا) بابها الاستثناء فيجب أن تقدر فيها ما يصح أن يكون الذي بعدها مستثنى (٢) منه وليس أحد وشيء وإن كانا مقدمين في المعنى من جهة اللفظ بل الأب مرتفع بقائم ، والخبر منتصب بالأكل لا على طريق البدل ، وإنما قال أبو العباس : ذلك من جهة المعنى ، يدلك على صحة ذلك أن أحدا لم يجر له ذكر فيجوز إضماره ، وكذلك الشيء يقبح إضماره ؛ لأنه مفعول لا يستتر في الفعل فعلم أن التقدير إنما هو من جهة المعنى لا اللفظ.
باب الابتداء وخبره
فإن قال قائل : لم استحق المبتدأ الرفع وبأي شيء يرتفع؟
فالجواب في ذلك : أن الرافع له التعرية من العوامل وليست بلفظ ، فالجواب في ذلك أن العوامل اللفظية إنما جعلت علامات للعمل لا أنها تعمل شيئا ، فإذا كان معنى العامل اللفظي إنما هو علامة فالعلامة قد تكون حدوث الشيء وعدمه ، ألا ترى أن ثوبين أبيضين متساويين لو أردنا أن نفصل بينهما فسودنا أحدهما لكان
__________________
(١) في الأصل : ما زيد آكلا شريرا إلا الخبز.
(٢) في الأصل : مستثنا.