المسود منفصلا من الآخر والآخر منفصلا منه ، وإن لم تكن فيه علامة ، فكذلك عدم العامل علامة أيضا ، فإذا قد ثبت أن التعرية من العوامل عامل فالذي يجب أن يبين لم خص بعمل الرفع دون غيره؟ وإنما خص بالرفع ؛ لأن المبتدأ أول الكلام ، فوجب لما استحق الإعراب أن يعطى أول حركة الحروف مخرجا وهو الضم.
ووجه آخر هو أن المبتدأ محدّث عنه كما أن الفاعل محدّث عنه ، فلما استحق الفاعل الرفع لعلّة سنذكرها في بابه حمل المبتدأ عليه.
وأما أبو إسحاق الزجاج فكان يجعل العامل في المبتدأ ما في نفس المتكلم من معنى الإخبار (١) ، قال ؛ لأن الاسم لما كان لا بدّ له من حديث يحدث به عنه صار هذا المعنى هو الرافع للمبتدأ. والصحيح ما بدأنا به ؛ لأنه لو كان الأمر كما رتبه أبو إسحاق لما جاز أن ينتصب الاسم بدخول عامل عليه ؛ لأن دخول العامل لا يغير معنى الحديث عن الاسم ، فلو كان ذلك المعنى عاملا لما جاز أن يدخل عامل وهو باق ، وأما العلّة الأولى فلا يلزم عليها هذا السؤال ؛ لأن العامل في / المبتدأ على ما رأيناه تعريته من العوامل اللفظية ، فمتى دخل عامل لفظي على المبتدأ زال العامل الذي هو التعرية فلم يدخل عامل على عامل.
فإن قال قائل : من أين وجب الرفع لخبر المبتدأ؟
فالجواب في ذلك أن المبتدأ لما كان لا بد له من خبر كما أن الفعل لا بد له من فاعل ، صار الخبر مع المبتدأ كالفاعل مع الفعل ، فكما وجب رفع الفاعل وجب رفع الخبر.
ووجه آخر أن المبتدأ لما كان العامل فيه التعرية من العوامل وليست بلفظ ،
__________________
(١) قال ابن يعيش في شرح المفصل : " وكان أبو إسحاق يجعل العامل في المبتدأ ما في نفس المتكلم ، يعني من الإخبار عنه ، قال : لأن الاسم لما كان لا بد له من حديث يحدث به عنه صار هذا المعنى هو الرافع للمبتدأ ...".١ / ٨٥ (الطباعة المنيرية).