الضرب والأكل وما أشبههما ، والجنس يدل على الواحد فما فوقه فلا معنى للتثنية والجمع إلا أن تختلف أنواعه كقولك : ضربت زيدا ضربتين ، إذا كان أحدهما شديدا والآخر خفيفا ، وعلى هذا قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب : ٣٣ / ١٠](١) أي ظنونا مختلفة.
فإن قال قائل : هلّا غيرت أوائل الأفعال المستعارة نحو : مات زيد ، ورخص السعر ، لأن فاعلها لم يذكر ؛ كما يغير أول الفعل إذا لم يسم فاعله نحو : ضرب زيد.؟
فالجواب في ذلك : أن أفعال الاستعارة ينبغي أن يكون ما ارتفع بها فاعلا ؛ لأن المعنى قد علم وذلك أن الموت والرخص لا يصح أن يفعلهما غير الله تعالى عزوجل ، وكذلك إذا قلت : سقط الحائط ، لم يكن للحائط فعل في الحقيقة ، وإنما الفعل في ذلك لله تبارك وتعالى (٢) ، وعلم هذا غير خفي على أحد من الأمم ، فلما أمن اللبس في هذه الأفعال لم يحتج إلى فاعل وأما قولك : ضرب زيد عمرا ، فزيد فاعل للضرب وعمرو مفعول ، وقد يتأتى من عمرو الضرب ، فإن حذفت زيدا أقمت عمرا مقامه ، فلو لم تغير الفعل لم يعلم أعمرو فاعل أم مفعول؟ ، فلهذا وجب تغيير الفعل.
باب ما لم يسمّ فاعله
إن قال قائل : لم وجب إذا حذف الفاعل أن يقام مقامه اسم مرفوع.؟
فالجواب في ذلك أن الفعل لا يخلو من فاعل ، فلما حذف فاعله على الحقيقة استقبح أن يخلو من لفظ الفاعل فلهذا وجب أن يقيم مقام اسم الفاعل اسما مرفوعا ، ألا ترى أنهم قالوا : مات زيد ، وسقط الحائط فرفعوا هذه الأسماء وإن لم
__________________
(١) والآية هي (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا).
(٢) في الأصل : تبرك وتعلى ، على حذف الألف فيهما اختصارا وتخفيفا على عادتهم.