واحدة ، ألا ترى أنك إذا قلت : أعطيت ، فليس في الكلام دلالة أن المعطى زيد وعمرو حتى تقول : زيدا وعمرا ، فتبينه وكذلك ليس في اللفظ دلالة على ما أعطي زيد حتى تبيّنه فتقول : درهما ، أو دينارا ، فلهذا جاز إقامة الثاني مقام الفاعل. فأمّا إذا كان الثاني مما يصح أن يكون آخذا للأول فلا يجوز أن تقيم مقام الفاعل إلا الأول لئلا ينقلب المعنى. ألا ترى أنك إذا قلت : أعطيت زيدا عمرا ، فإنما يعلم أن زيدا أخذ عمرا بترتيب اللفظ لأنك لو قدمت عمرا وأخرت زيدا لصار عمرو هو الآخذ لزيد فقد بان لك أن الفاعل منهما يعلم بترتيب اللفظ دون الإعراب فلهذا وجب أن تقيم الأول مقام الفاعل ، وأما قولك : أعطيت زيدا درهما فقد علم أن الدرهم مأخوذ ، ولا يجوز أن يكون آخذا لزيد فلم يشكل رفعه إذ كان معناه يدل على المراد.
وأما ظننت فالوجه أن تقيم المفعول الأول أيضا مقام الفاعل كقولك : ظننت زيدا أخاك ، فإذا لم تسم الفاعل قلت : ظنّ زيد أخاك ، وإنما اختير هذا الوجه ؛ لأن قولك ظننت أخاك يدل على أن زيدا معروف ، والأخوة مشكوك فيها ، لأن الشك إنما يقع في الخبر ، فلو قدمت الأخ وأخرت زيدا لصار ترتيب اللفظ يدل على هذا المعنى ، فلو جوزت التقديم والتأخير انقلب المعنى ، فلهذا لم يجز إلا أن تقول : ظننت زيدا أخاك ، فيكون الأول معرفة والثاني نكرة ، فيجوز على هذا الوجه أن تقيم [المفعول](١) الثاني مقام الفاعل إلا أن المبتدأ حقه أن يكون معرفة والخبر نكرة فصار من أجل هذه الدلالة ظاهر الكلام يدل على أن الشك وقع في خبر زيد لا في زيد.
وأما [ما](٢) يتعدى إلى ثلاثة مفعولين (٣) فإنه وجب أن يقوم الأول منهم مقام الفاعل ؛ لأنه الفاعل في المعنى ألا ترى أنك إذا قلت : علم زيد عمرا خير الناس ،
__________________
(١) كتبت في الأصل على الهامش.
(٢) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.
(٣) انظر الكتاب : ١ / ٤١ هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين (هارون).