باب نعم وبئس
إن قال قائل : لم وجب أن يلي نعم وبئس الجنس؟
ففي ذلك وجهان :
أحدهما : يحكى عن الزجاج أنهما لما وضعا للمدح والذم العام خصا بأن يليهما لفظ عام.
والوجه الآخر : أن لفظ الجنس إنما وجب تقديمه إلى جنب نعم وبئس ليدل بذلك على أن الممدوح قد حصل له من الفضل ما في الجنس فإذا قلت : نعم الرجل زيد ، دللت بلفظ الرجل أنه فاضل في الرجال وكذلك إذا قلت : نعم الظريف زيد ، دللت بذلك أن زيدا / ممدوح في الظرّاف ، فلهذا وجب تقدير الجنس.
فإن قال قائل : من أين جاز في نعم وبئس أربع لغات (١) وكذلك جميع ما ثانيه حرف حلقي مما هو على ثلاثة أحرف اسما كان أو فعلا نحو : فخذ ، وحروف الحلق ستة وهي الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين (٢)؟
فالجواب في ذلك أن حروف الحلق لما كان بعضها مستعليا وبعضها قريب من الألف ، فالهمزة مقاربة الألف والفتح قريب من الكسرة اتبع الفتح الكسر ليكون الكلام على طريقة واحدة كما يتبع الفتح الألف الممالة ، فلما جاز إتباع الكسرة تتابع في الفعل كسرتان فيسكن الثاني للاستثقال.
__________________
(١) اللغات الأربع هي : نعم بفتح النون وكسر العين ، ونعم بفتح النون وسكون العين ، ونعم بكسرهما ، ونعم بكسر النون وسكون العين. وانظر تفصيل هذه اللغات في المسألة الرابعة عشرة من كتاب الإنصاف.
قال سيبويه في اللغة الثالثة : " وأما قول بعضهم في القراءة إن الله نعما يعظكم به فحرك العين فليس على لغة من قال نعم فأسكن العين ، ولكنه على لغة من قال نعم فحرك العين ، وحدثنا أبو الخطاب أنها لغة هذيل".
الكتاب ٤ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠ (هارون).
(٢) للتفصيل انظر المقتضب ٢ / ١٤٠ (لجنة إحياء التراث الإسلامي).