وإنما لم يصح فيها هذا لأنها أصل الأفعال ، فجرت مجرى أسماء الأجناس نحو : رجل وفرس ، فلما كانت هذه الأسماء لا تقبل الضمير وجب أن يكون المصدر كذلك ، فإذا لم يظهر الفاعل بعدها فإنما ذلك لأجل حذفه للدلالة عليه لا لاستتاره.
فإن قيل : ألستم تزعمون أن الفعل لا يخلو من فاعل مظهر أو مضمر ، فالمصادر أجريتموها في العمل مجرى الفعل فكيف جاز أن يخلو من لفظ الفاعل؟.
قيل له : إن المصدر وإن عمل عمل الفعل فيظهر في نفسه اسم وهو متعلق بالفاعل والمفعول ، فهو في نفسه اسم وهو متعلق بالفاعل والمفعول كما قلت إذا كان الفاعل أحدثه والمفعول به وقع به ، فصار ما تعلق به كالشيء الواحد ، وكما يجوز أن يحذف في بعض الكلام للدلالة عليه جاز أيضا حذف الفاعل.
فإن قيل : فهلّا أجري اسم الفاعل مجرى المصدر ؛ لأنه اسم من المصدر ، وكيف جاز أن يقبل الضمير ولم يقبله المصدر؟
قيل له : لأن اسم الفاعل والفعل جميعا فرعان للمصدر ، فلما جاز استتار الفاعل في الفعل جاز استتاره أيضا في اسم الفاعل لاشتراكهما في الفرعية ، إلا أن بين استتار الفاعل في الفعل وبين استتاره في اسم الفاعل فرقا ، وهو أن ضمير الفاعل المستتر في الفعل يظهر في التثنية والجمع كقولك : الزيدان يضربان ، والزيدون يضربون ، وفي اسم الفاعل يستتر في النية ولا يظهر في اللفظ ، فإنما وجب ذلك في اسم الفاعل ؛ لأنه اسم في نفسه فلا بد أن تلحقه تثنية تخصّه لنفسه ، فلم تجز إظهار تثنية الضمير مع تثنية الاسم ؛ لأن ذلك يوجب الجمع بين تثنيتين ، وهذا محال.
فإن قال قائل : كيف تقدّرون قولهم : أعجبني أكل الخبز والخبز مفعول؟
قيل في ذلك تقديران :