باب ما تنصبه العرب وترفعه
إن قال قائل بأي شيء تنصب وراءك في قولك وراءك أوسع لك؟
[قيل](١) : المعنى المقدر هو تأخر وراءك.
فإن قال قائل : فلم حسن النصب في قولك : ما صنعت وأباك؟
قيل له : لأن ضمير المرفوع لا يحسن العطف عليه إلا أن يؤكد فعدل به إلى النصب لقبح العطف على الضمير المرفوع ، فإن أكدت الضمير قلت : ما صنعت أنت وأبوك؟ حسن الرفع ، والنصب / جائز فاعرفه.
واعلم أنه ليس كل فعل يحسن فيه هذا لو قلت : قمت وعمرا ، لم يحسن ويجوز مع ذلك ، والأحسن أن يستعمل هذا الباب في كل فعل تعلق بمعنى (مع) ، ألا ترى أن قولك : ما صنعت يقتضي (مع) إذ كان قولك ما صنعت يقتضي مصنوعا معه ، فلهذا حسن تقدير (مع) في هذه الأفعال.
فإن قال قائل : فمن أين جاز أن تنوب الواو عن معنى (مع)؟
قيل له : لأن (مع) تقتضي مشاركة ما بعدها مع ما قبلها كقولك : جاءني زيد مع عمرو ، فعمرو قد شارك زيدا في المجيء كما شاركه لو قلت : جاءني زيد وعمرو ، فلهذا قامت مقامه.
واعلم أن المفعولات التي ذكرناها إنما نسبت إلى ما ذكرناه من أجل المعنى فسمي المصدر مفعولا مطلقا ؛ لأن العامل أحدثه.
وسمي زيد وما جرى مجراه من المفعولات مفعولا به ؛ لأن الفاعل لم يفعل زيدا وإنما هي أفعال تحل بزيد ، فلأجل تقديرنا أن الفعل حلّ به سمي مفعولا به.
__________________
(١) زيادة ليست في الأصل : يقتضيها السياق.