باب التعجب
إن قال قائل : لم خصت (ما) من بين سائر الأسماء بالتعجب؟
قيل له : لأنها مبهمة (١) ، والشيء إذا أبهم كانت النفس مشوقة (٢) إليه ، والدليل على أن (ما) أشد إبهاما من (من) و (أي) (٣) أنها تقع على ما لا يعقل وعلى صفة من يعقل ، و (من) تختص بمن يعقل فصارت (ما) أعم ومع ذلك فإن (ما) واقعة على الشيء الذي يتعجب منه ، وذلك أن الشيء ليس مما يعقل فلم يجز إدخال (من) هنا.
وأما (أي) فهي متضمنة للإضافة ، والإضافة توضحها فلذلك لم تقع هذا الموقع.
فإن قال قائل : فهلا استعملوا الشيء إذ كان أبهم الأشياء (٤)؟ قيل له : إن الشيء ربما يستعمل للتقليل / ولو قلت : شيء أحسن زيدا ، لجاز أن يعتقد أنك تقلل المعنى الذي حسّن زيدا فتجنبوه لهذا الوجه ، وأيضا فإن الغالب على قولك : شيء حسّن زيدا أنه إخبار عن معنى مستقر ، وما يتعجب منه ينبغي أن يسرك في الحال ، فأما ما قد استقر وعرف فلا يجوز التعجب منه ، فلهذا خصت من بين سائر الأسماء بالتعجب.
__________________
(١) كتبت في الأصل : مها.
(٢) في الأصل : مشرقة.
(٣) انظر : اللباب في علل البناء والإعراب ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧. فقد أثار العكبري الفكرة نفسها وناقشها.
(٤) انظر شرح المفصل ٧ / ١٤٣ حيث جاء فيه :
" ... فإن قيل : فإذا قلتم إن تقدير ما أحسن زيدا ، شيء أحسنه وأصاره إلى الحسن ، فهلّا استعمل الأصل الذي هو (شيء)؟ فالجواب : أنه لو قيل : شيء أحسن لم يفهم منه التعجب ؛ لأن شيئا وإن كان فيه إبهام إلا أن (ما) أشد إبهاما ، والمتعجب معظم للآمر ، فإذا قال : ما أحسن زيدا ، فقد جعل الأشياء التي يقع بها الحسن متكاملة فيه ، ولو قال : شيء أحسن زيدا ، كان قد قصر حسنه على جهة دون سائر جهات الحسن ، لأن (الشيء) قد يستعمل للقليل ...".