والوجه الثاني : أن أفعل أثقل من فعل ، ومن كلامهم جواز التخفيف من الثقيل ، أعني أنهم ينتقلون من الثقيل إلى الخفيف ، وإنما نقل عور من اعورّ وحول من احولّ ، وليس من كلامهم أن ينقلوا الخفيف إلى الثقيل إذا اتفقا في المعنى أعني الخفيف والثقيل ؛ لأن ثقل الخفيف يوجب تكلّفا لا فائدة فيه إذا كانا في هذا الموضع قد اتفقا في المعنى ، ومثل هذا لا يقع من حكيم ، فدل استعمالهم عور واعورّ بمعنى واحد أن عور مخفف من اعورّ ، ويجوز أن يعتل في امتناع اشتقاق الفعل من الألوان والخلق بما يحكى عن الخليل (١) أن هذه الأشياء لما كانت مستقرة في الشخص ، ولا تكاد تتغير جرت مجرى أعضائه الثلاثة التي لا معنى للفعل فيها كاليد والرجل ، فكما لا تقول : ما أيداه ، ولا ما أرجله ، إذ كانا اسمين ليس بجاريين على فعل ، فكذلك لا يجوز في الألوان والخلق اشتقاق فعل للتعجب حملا على اليد والرجل.
واعلم أنك إذا قلت : أحسن بزيد ، وأظرف بعمرو ، فالباء يجوز أن يكون موضعها رفعا ونصبا ، والأظهر أن يكون موضع الباء وما بعدها رفعا ؛ لأن (أحسن) فعل ولا بد للفعل من فاعل ، ووجب أن تكون [الباء مع](٢) الاسم في موضع الفاعل فهذا هو الظاهر ، وأما من جوز أن يكون موضعها رفعا ونصبا فإنه يقول : في الفعل الفاعل وهو الحسن كما أضمر فيه إذا كان بعد ما ، فإذا قدر الثاني مضمرا صار حرف الجر مع ما تعلق به في موضع المفعول ، وهذا القول ضعيف ، وإنما ضعف وفارق ما أحسن زيدا ، وإنما جاز الإضمار في ما أحسن لتقدم (ما) عليه ، و (ما) اسم مبتدأ ، وأحسن في موضع خبره ، فلم يكن بد من
__________________
(١) قال سيبويه : " وزعم الخليل أنهم إنما منعهم من أن يقولوا في هذه ما أفعله ، لأن هذا صار عندهم بمنزلة اليد والرجل ، وما ليس فيه فعل من هذا النحو ، ألا ترى أنك لا تقول : ما أيداه ، ولا ما أرجله ، إنما تقول : ما أشدّ يده ، وما أشد رجله ونحو ذلك ..." الكتاب ٢ / ٢٥١ (بولاق).
(٢) كتبت في الأصل على الهامش.