باب الحال
إنما وجب أن تكون الحال نكرة لأمرين :
أحدهما : أنها زائدة لا فائدة فيها للمخاطب ، فلو كانت معرفة لم يستفدها المخاطب ، ومع ذلك فلو جعلت معرفة لجرت مجرى النعت لما قبلها من المعرفة ، والنكرة أعم من المعرفة.
والوجه الثاني : وهو أجود الوجهين ، أن الحال هي مضارعة للتمييز لأنك تبين بها كما يتبين بالتمييز نوع المميز ، فلما اشتركا فيما ذكرناه وكان التمييز نكرة ، وجب أن تكون الحال نكرة ، وإنما قبح الحال من النكرة إذا قلت : جاءني رجل ضاحكا ، (فأجريت ضاحكا نعتا للرجل ، ثم لو قلت : جاءني رجل ضاحكا فنصبت ضاحكا) (١) على الحال كان معنى (٢) الحال ومعنى الصفة واحدا لأنك إذا قلت : جاءني رجل ضاحك ، فليس يجب أن يكون في حال الخبر ضاحكا ، وكذلك إذا نصبته على الحال ، فلما استوى معناهما كان النعت أولى من الحال ؛ لاتفاق اللفظ ، وليس كذلك حكم نعت المعرفة ؛ لأنك إذا قلت : جاءني زيد الظريف ، وجب ألا يكون الظريف حالا له وقت الخبر ؛ لأنك ذكرته لتبين به زيدا ، وزيد معرفة قد كان مستغنيا بنفسه فلما خفت اختلاطه بغيره من الزيدين بيّنته بالنعت ، وأما النكرة فليس عينا بائنا فالصفة إنما تفيد فيها تخصيصا ، وليس يجب بقاء ذلك التخصيص في حال الخبر ، فلهذا حسن الحال من المعرفة وقبح من النكرة ، (٣) ووجب جوازه فيها على التشبيه بالمعرفة ، وإنما وجب أن تقدم الحال
__________________
(١) كتبت في الأصل على الهامش.
(٢) مكررة في الأصل.
(٣) للتفصيل : انظر شرح الأشموني ١ / ٢٤٤.