الكلام عليه ، وأما الراجع إلى المبتدأ فإنما حسن حذفه ها هنا ؛ لأن في الكلام أيضا دليلا أنه قد أحاط العلم أن المنوين ليسا جميع السمن إذ كان السمن اسم الجنس فصار ذكره بعد السمن يدل على أنهما بعض له ، والمحذوف منه (من) التي للتبعيض ، فلما كان في الكلام ما يدل عليه حسن حذفه.
وأما قوله : أخذته بدرهم فصاعدا ، فمعنى هذا الكلام أنك أشرت إلى عدل متاع وقع سعر ثوب منه بدرهم ثم غلا السعر فزاد على الدرهم فيكون التقدير أخذته بدرهم فزاد الثمن صاعدا. ونصب الثمن على الحال والعامل فيه زاد ، ولا يجوز أن يجعل بدل الفاء الواو كما تقول : أخذته وزيادة ؛ لأن قولهم : أخذته بدرهم وزيادة ، إنها إخبار عن شيء واحد وقع ثمنه الدرهم مع زيادة ، وأما أخذته بدرهم فصاعدا ، (١) فلست تريد أن تجعل صاعدا مع الدرهم ثمنا لشيء واحد ، وإنما الدرهم كان ثمنا لبعض الجملة ثم زاد السعر ، وإذا كان كذلك صار إدخال الواو يبطل هذا المعنى ، ولو جئت ب (ثمّ) في موضع الحال لجاز ذلك ، إلا أن الفاء أحسن وإنما كانت الفاء أحسن للاستئناف الذي في معنى دخولها هنا.
باب حروف العطف
اعلم أن (الواو) أصل حروف العطف ، والدليل على ذلك أنها لا توجب إلا الاشتراك بين الشيئين فقط في حكم واحد ، وسائر حروف العطف توجب زيادة حكم على هذا ، ألا ترى أن (الفاء) توجب الترتيب ، و (أو) للشك ، و (بل) للإضراب ، فلما كانت في هذه الحروف زيادة معنى على حكم العطف صارت في المعنى كالمركبة ، والواو مفردة فصارت كالبسيط ، والمركب بعد المفرد البسيط ، فلهذا صارت الواو أصلا.
__________________
(١) الأصول ٢ / ٣٠٢.