ووجه آخر : أن المعاني قد أحطنا بعلم جميعها والألفاظ يحتاج إليها من أجل المعاني (١) فإذا كان كل معنى لا يمكن أن يعبر عنه إلا بأحد هذه الأقسام الثلاثة دلّ ذلك على أن جميع الأقسام ثلاثة.
فإن قال قائل : فلم خصصتم القسم الأول بتلقيبه (٢) بالاسم ، والثاني بالفعل ، والثالث بالحرف؟ فالجواب في ذلك من وجهين :
أحدهما : أن غرض النحويين بهذا التلقيب الفصل بين هذه الأقسام ؛ إذ كانت معانيها مختلفة ، فإذا كان القصد باللقب إلى الفصل فليس لأحد أن يقول لم لقبتم هذا القسم بهذا اللقب دون غيره؟ إذ لا لقب يلقب به إلا ويمكن أن يعترض بهذا السؤال ، وقد وجب بحالة أن يخص بلقب ، فإذا وجب الشيء لم يجب الاعتراض عليه.
والوجه الثاني : أنه يمكن أن يجعل لكل لقب معنى من أجله لقب به ، والوجه في تلقيب ما صح أن يكون خبرا ويخبر عنه بالاسم ، لأن الاسم مشتق من سما يسمو أي ارتفع (٣) فلما كان هذا له مزيّة على النوعين الآخرين من أجل أنه شارك النوع الذي يكون خبرا في هذا المعنى ويفضله في أن الخبر يصح عنه ؛ وجب أن يلقب بما ينبئ عن هذه المزية فلقب بالاسم (٤) ليدل بذلك على علوه وارتفاعه على النوعين الآخرين.
__________________
(١) أثار الزجّاجي هذه العلّة ، انظر الإيضاح ٤١ ـ ٤٣ ، كما فصّل ابن الأنباري هذا المعني في أسرار العربية ٣ ـ ٤.
(٢) في الأصل : بتلقيب الاسم. وقد أثبت ما يناسب السياق.
(٣) ذهب البصريون إلى أن الاسم من السمو لأنه سما على مسماه وعلا ما تحته ، وذهب الكوفيون إلى أنه من الوسم لأنه سمة على مسماه.
انظر للتفصيل : الزجاجي ٤٣ ، وأمالي بن الشجري ٢ / ٦٦ (دار المعرفة ـ بيروت) وأسرار العربية ٤ والإنصاف في مسائل الخلاف : المسألة الأولى.
(٤) يعني أن الاسم امتاز من قسيميه بأنه يجوز أن يخبر عنه ، وأن يخبر به ، ولذلك ارتفع عن الفعل الذي يخبر به ولا يخبر عنه ، كما ارتفع عن الحرف الذي لا يخبر به ولا عنه.