منعت الدرهم من الجر كما منع الفاعل رفع المفعول فصارت النون كالفاعل وصار التمييز كالمفعول ، وكذلك قولهم : خمسة عشر درهما ، وإنما انتصب الدرهم ؛ لأن التنوين فيه مقدر ، وإنما حذف لأجل البناء كما يحذف لمنع الصرف ، وكل تنوين حذف للإضافة وللألف واللام فحكمه مراد ؛ لأنه لم يدخل على الكلمة ما يعاقبه ، فلذلك وجب النصب ، وكذلك إذا قلت لي مثله وزنا ، فالهاء منعت الوزن من الجر فصارت الهاء كالفاعل فلذلك انتصب الوزن.
واعلم أنه لا يجوز أن تقدم شيئا من التمييز على ما قبله ؛ لأن العامل فيه ضعيف ؛ لأنه ليس بفعل متصرف والمنصوب به مفعول في الحقيقة ، فلذلك ضعف تقديمه.
وأما قولهم : هو يتصبب عرقا ويتفقّأ شحما ، ففيه خلاف ، أما سيبويه فكان لا يرى التقديم (١) في هذا الباب وإن كان العامل فيه فعلا ، وأما المازني فكان يجيز تقديم التمييز إذا كان العامل فيه فعلا ويشبهه بالحال.
فأما حجة سيبويه في امتناعه من ذلك ؛ فإن التمييز في هذه الأفعال فاعل في الحقيقة ، (٢) وذلك أنك إذا قلت : تصببت عرقا ، فالفاعل للعرق في المعنى ، ولكنه نقل عنه إلى الشخص فلما كان فاعلا في المعنى وكان الفاعل في الأصل لا يجوز تقديمه إلا على نية التأخير كذلك أيضا لا يجوز أن يقدم هذا إذ كان فاعلا.
__________________
(١) في الأصل : التقدير.
(٢) قال الشنتمريّ : " ومما أنشد المازني في الباب قول المخبل السعدي :
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق تطيب |
الشاهد فيه تقديم التمييز ، وهو قوله نفسا على العامل فيه وهو تطيب ، وقياسه عند المازني قياس الحال ، والحال متقدم عند جميع النحويين إلا الجرمي إذا كان العامل فيها فعلا ، وسيبويه لا يرى تقديم التمييز وإن كان العامل فيه فعلا ، وسيبويه لأنه منقول عن الفاعل ، والفاعل لا يتقدم ، وأما الحال فهو مفعول فيها كالظرف فجاز فيها من التقديم ما يجوز فيه ، والرواية الصحيحة في البيت : وما كان نفس بالفراق تطيب". الكتاب ١ / ١٠٨ (بولاق).