جاءني القوم غير زيد ، فلما انتصب غير زيد وناب عن إلا (١) علمنا أن الناصب هو الفعل المتقدم إذ كان الشيء لا يعمل في نفسه فصح أن المنصوب في الاستثناء إنما عمل فيه فعل متقدم لا (إلا) وإنما كان النصب الوجه فيما ليس من جنس الأول ؛ لأنه متى حمل عليه في البدل وجب أن يحمل الكلام على المجاز ، ويقدر الاسم الأول كأنه من جنس الثاني إذ شرط البدل أن يكون هو المبدل أو بعضه ، فلما كان حمل ما ليس من جنس الأول على الثاني يحتاج إلى تأويل كان النصب الوجه ؛ لأنه لا يحتاج إلى تأويل.
الحروف التي يجر بها في حروف الاستثناء
اعلم أن حاشا عند سيبويه حرف (٢) وعند أبي العباس المبرد فعل (٣) ، ويجوز أن يكون حرفا وفعلا.
فأما حجة سيبويه أنها لا تكون إلا حرفا فإجماع (٤) النحويين على أنها لا تكون صلة ل (ما) مع كونها متصرفة عندهم دلّ ذلك على أنها ليست بفعل ، واحتج أبو العباس في كونها فعلا بأشياء أحدها قول النابغة (٥) :
... |
|
ولا أحاشي من الأقوام من أحد |
__________________
(١) في الأصل : لا.
(٢) قال سيبويه : " وأما حاشا فليس باسم ولكنه حرف يجر ما بعده كما تجر حتى ما بعدها ، وفيه معنى الاستثناء".
الكتاب ١ / ٣٧٧ (بولاق).
(٣) قال المبرد : " وما كان حرفا سوى إلا فحاشا وخلا ، وما كان فعلا فحاشا ، وخلا إن وافقا لفظ الحروف" المقتضب ٤ / ٣٩١.
(٤) في الأصل : بإجماع.
(٥) البيت من البسيط وهو للنابغة في ديوانه ١٣ ، وفي أسرار العربية ٢٠٨ ، وفي الإنصاف ١ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ، وفي شرح المفصل ٨ / ٤٨ ـ ٢ / ٨٥ ، وفي اللسان (حشا) ١٨ / ١٩٨ ، وفي المغني ١٦٤ ، وفي شرح شواهد المغني للسيوطي ١ / ٣٦٨ ـ ١ / ٧٤ ، وفي الهمع ٣ / ٢٨٨ ، وفي الخزانة ٣ / ٤٠٣. وصدر البيت :
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه |
|
... |
وفي بعض الروايات : وما أحاشي من الأقوام من أحد.