نقيضة (ربّ) و (ربّ) تقع صدر الكلام لأن فيها معنى النفي](١) إذ كانت القلة نفي الكثرة ، فلما دخلها معنى النفي والنفي له صدر الكلام حملت عليها لما ذكرناه.
فإن قال قائل : فلم جاز أن يعمل فيها ما يجر من بين سائر العوامل؟
فالجواب في ذلك : أن الجار والمجرور كالشيء الواحد ، فلا يجوز انفصال الجار من المجرور وقيامه بنفسه كما يجوز انفصال الرافع من المرفوع والناصب من المنصوب ، فصار تقديم الجار عليه ضرورة ، ولم يجز تقديم ذلك في الرافع والناصب إذ ليس مضطرا (٢) فيه إلى ذلك.
واعلم أنك إذا قدرت دخول الجار عليها بحال الاستفهام قدرت الأول (٣) الاستفهام على حرف الجر كقولك : على كم جذعا بيتك مبني (٤)؟ وإنما وجب التقدير على ما ذكرنا لئلا يتقدم العامل على حرف الاستفهام ، وأما ما في الخبر فالعلّة فيها ما ذكرنا والجار داخل عليها من غير توسط إن شاء الله.
واعلم أن النصب فيها على تقدير تنوين فيها كما أن النصب بخمسة عشر وأخواتها على تقدير التنوين بها فمن خفض بها في الاستفهام فعلى وجهين :
أحدهما : أن يكون قدر حذف التنوين ، ولم يجعلها كخمسة عشر بل جعلها بمنزلة العدد الذي لا ينون.
والوجه الآخر : أن يكون الخبر بتقدير (من) لكثرة استعمالهم إياها في هذا الموضع وإنما نصب بها في الخبر وقدر التنوين فيها وجعلها بمنزلة المستفهم بها.
__________________
(١) كتبت في الأصل على الهامش.
(٢) في الأصل : مضطر.
(٣) في الأصل : الأو.
(٤) انظر الكتاب ٢ / ١٦٠ (هارون). وعنده : على كم جذع بيتك مبني؟ وما ورد عند الوراق هو القياس. أما الذين جرّوا فقد أرادوا معنى (من) تخفيفا وصارت على عوضا منها.