باب الضمير
إن قال قائل : لم جاز أن يقع الاسم المرفوع والمنصوب ضميرا منفصلا ولم يكن في المجرور إلا ضميرا متصلا؟ فالجواب في ذلك : أن المرفوع والمنصوب يجوز أن يفصل بينهما وبين ما عمل فيهما ، والمجرور مع الجار كالشيء الواحد ولا يجوز الفصل فيهما ، فلما جاز الفصل في المرفوع والمنصوب وجب أن يكون لهما ضمير منفصل ـ وأعني بالمنفصل الذي يقوم بنفسه ولا يتصل بعامل ـ ولما كان المجرور لا يجوز انفصاله من عامله لم يكن له إلا ضمير واحد.
فإن قال قائل : هل الاسم أنا جملته أو بعضه؟
قيل له : الاسم (أن) والألف زيدت لبيان حركة النون والدليل على ذلك أنك إذا وصلت الكلام قلت : أن ، فسقطت الألف كقولك : أنا قمت ، ولو كانت الألف من نفس الكلمة لم تسقط ، وإنما كانت الألف أولى بالزيادة لأنها أخف الحروف ، وبعض العرب يجعل في موضع الألف الهاء إذا وقف فيقول : أنه ، وهذا يدلك على أن الألف ليست من بناء الاسم ، وإنما زيدت لما ذكرنا (١) وإنما كانت الألف أكثر من الهاء لأنها قد تتصل بالضمير إذ كانت أنّ العاملة قد يتصل بها ضمير الغائب كثيرا فلذلك كانت الألف أكثر استعمالا في هذا الموضع من الهاء.
وأما أنت فالاسم أيضا منه (أن) والتاء زيدت للمخاطب وليس لها موضع من الإعراب لأنها لو كانت لها موضع من الإعراب لم تخل من أن تكون رفعا ، أو نصبا ، أو جرا ، والتاء ليست من علامات المجرور ولا المنصوب فسقط أن يكون موضعها نصبا أو جرا ، ولم يجز أن يكون رفعا لأن العامل هو أن في قولك : ما قام إلا أنت ، فلو كانت التاء في موضع رفع لكنت قد جعلت للفعل فاعلين من
__________________
(١) للتفصيل انظر شرح تصريف المازني ١ / ٩.