بين يدي الكتاب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على سيد المرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد ...
فقد بدأ تعليل الحكم النحوي منذ عصر الخليل وسيبويه ، ومن قبلهما ولكن كلامهم كان كلاما خافتا ، يظهر ويختفي ؛ لم يكونوا يعللون أحكامهم ، بل كانوا ينثرون العلل في ثنايا كتبهم على تفاوت بينهم ، كما هو الشأن عند نحاة القرن الرابع الذين امتاز منهم في هذا الباب الفارسي وابن جنّي ، ولم نعرف قبل كتاب (العلل) للوراق كتابا جامعا لعلل النحو مرتبا على موضوعاته ، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو يتصف بما يلي :
١ ـ أنه أكبر مصدر وصل إلينا يتناول العلة النحوية ، ولا يخفى علينا ما للعلة النحوية من أهمية في الدرس النحوي.
٢ ـ أنه يقوم على كتاب سيبويه تفصيلا وتعليلا ، وكأن سيبويه إمام للوراق من خلال كتابه.
٣ ـ أنه يشكل حلقة مغمورة في تاريخ التعليل النحوي ، ويلقي الضوء على مبلغ الرقي الفكري عامة والنحوي خاصة ، الذي بلغه العقل العربي في القرن الرابع الهجري.
٤ ـ أنه يكشف اعتماد النحويين الذين جاؤوا من بعده على أقواله واقتباسهم منه ، كابن الأنباري والعكبري وغيرهما.
٥ ـ أنه نص نفيس ينشر لأول مرة ، لنحوي لم تكن له الشهرة اللائقة به وبمؤلّفه.
ولم أجد لكتاب الوراق هذا إلا نسخة واحدة ، ومع ذلك لم أحجم عن العمل فيها دراسة وتحقيقا ، فهي نسخة يغلب عليها الوضوح وسهولة الأسلوب ، فالوراق ـ على كونه من نحاة القرن الرابع ـ سلس الأسلوب ، بعيد عن التعقيد ، سهل الفهم على قارئ عصرنا هذا. غير أن هذا لا ينفي وجود صعوبات اعترضتني في طريق تحقيقي ؛ وأهمها أن صاحب النص نحوي لم يكتب عنه أحد ، وقصّر في ترجمته أصحاب التراجم ، فلم يفصّلوا الحديث عن حياته ، مع أنه صاحب هذا الأثر الجليل في الحديث عن العلل.
فمن الجدير بالذكر أن الوراق كان معاصرا للزجاجي صاحب (الإيضاح في علل النحو).