ووجه آخر وهو أن الكلمة لما استعمل فيها الهاء والتاء ووجدنا التاء أثقل من الهاء ولم نجد الهاء في غير هذا الموضع تحتمل أن تكون للتأنيث ، وجب أن تقدر الهاء بدلا من التاء وذلك جائز لأنه عدول من الأثقل (١) إلى الأخف ، فإذا كان ذلك محتملا وجب حمله على ما ذكرنا لئلا يخرج عما في كلامهم.
فإن قيل : فما الحاجة في الفصل بين تأنيث الاسم وتأنيث الفعل؟
قيل : لأن الفعل قد يسمى به فإن سمي بفعل فيه علامة تأنيث لزم أن يوقف عليه بالهاء كرجل سمي بقامت فيقال : جاءني قامة فيوقف بالهاء ، فصار من الفصل بينهما بيان ودلالة على الاسم والفعل. فإذا قال : فلم كان الاسم بالتغيير أولى من الفعل؟ قيل له : لأن التاء إنما تلحق من الأفعال الفعل الماضي ، والفعل الماضي مبني على الفتح فلزم طريقة واحدة ، والاسم يلحقه الإعراب فيتغير آخره فلما احتجنا إلى تغيير أحدهما غيرنا ما يلحقه التغيير وهو الاسم.
فإن قال قائل : فلم كانت هذه الهاء أولى بالبدل من سائر الحروف؟
قيل : لأن الهاء حرف خفي وهو من مخرج الألف (٢) ، فكرهوا أن يبدلوا التاء ألفا فيلتبس بالألف التي هي بدل من التنوين فكانت الهاء أولى لذلك.
واعلم أن التاء في جمع المؤنث حرف الإعراب فتضم في حال الرفع وتكسر في حال النصب والجر ، وقد بينا أن الكسر إنما دخلها في حال النصب حملا على المذكر وقد اشتركا في جمع السلامة فلما سوّي بين النصب والجر في الأسماء المذكورة سوّي أيضا بينهما في جمع المؤنث.
فإن قال قائل : قد قلتم إن الجمع السالم ما سلم فيه بناء الواحد وإن المكسر ما
__________________
(١) في الأصل : الإثقال.
(٢) للتفصيل انظر العين ١ / ٥٢ ، والتمهيد في علم التجويد ١١٣.