والوجه الثاني : أن حروف الجر تجري فيما بعدها مجرى الأسماء التي تخفض ما بعدها ، والأفعال قد تقع في مواضع الجر بإضافة ظروف الزمان إليها كقولك : هذا يوم يقوم زيد ، فصار وقوع الاسم بعد حرف الجر لا يخلص للاسم إذا كان مثل هذا الموضع قد تقع فيه الأفعال.
فأما الألف واللام والإضافة فلا يجوز بحال أن تدخل على الأفعال فلما صار هذا الموضع يخلص للاسم دون الفعل وجب أن ينصرف.
فإن قال قائل : فلم صار التنوين يعاقب الألف واللام والإضافة؟
قيل له : لأن التنوين إنما يدخل على الاسم ليعلم أنه منصرف وقد بينا أن جميع ما تدخله الألف واللام والإضافة ينصرف فلما كان جميع الأسماء إذا دخلها ما ذكرنا انصرف لم يحتج إلى فرق فسقط التنوين للاستغناء عنه.
واعلم أنك إذا قلت : جاءني قاض ، فالأصل أن تضم الياء في الرفع وتجرها في الجر ولكن (١) الضمة تستثقل في هذه الياء والكسرة فحذفنا فسكنت الياء فالتقى ساكنان الرفع والتنوين فتسقط الياء لالتقاء (٢) الساكنين ، وكانت أولى من التنوين لأن التنوين علامة والياء (٣) ليست بعلامة فكان تبقية العلامة أولى (٤) فإذا وقعت على الاسم فقلت : هذا قاض فالاختيار حذف الياء أيضا في الوقف.
فإن قيل : فهلّا زدت الياء قبل التنوين؟
قيل له : التنوين وإن سقط في الوقف فهو مراعى الحكم في الدرج وكرهوا رد الياء في الوقف لما يلزمهم من حذفها في الدرج فكان ذلك يؤدي إلى تعب
__________________
(١) في الأصل : لاكن.
(٢) في الأصل : للاتقاء.
(٣) في الأصل : التاء ، وقد كثر الخلط في النقاط بين قوله : الباء ، والتاء ، والياء.
(٤) انظر شرح الأشموني ٢ / ٥١٩ ـ ٥٢١ ، فقد فصّل الحديث في هذا الموضوع ، وبين مذاهب النحاة فيه.