قيل له : الفائدة في ذلك أنك إذا قلت جاءني غلام لزيد ، فإنما تخبر أن واحدا من غلمان زيد جاءك ، وليس بمعروف بعينه ، فإذا أرادوا غلاما بعينه حذفوا اللام ، ووصلوا بين الغلام وزيد ، وجعلوا هذا الاتصال من جهة اللفظ دلالة على اختصاصه من سائر غلمانه ، فإذا قلت : جاءني غلام زيد ، فمعناه : جاءني الغلام المعروف لزيد.
وأما قولهم : ثوب خز ، فإنما حذفت (من) تخفيفا.
باب حروف الخفض
فإن قال قائل : لم صارت هذه (اللام) و (من) وسائر ما يجر من الحروف يعمل الجر دون النصب والرفع؟.
فالجواب في ذلك أن حروف الجر تكون موصلة (١) للأفعال إلى ما بعدها فتدخل مرة على الفاعل ومرة على المفعول به كقولك في الفاعل : ما جاءني من أحد ، والأصل : ما جاءني أحد ، وتدخل على المفعول كقولك : ما رأيت من أحد ، ومعناه ما رأيت أحدا ، فلما كانت هذه الحروف تدخل على الفاعل والمفعول جعل حركتها بين حركة الفاعل والمفعول متوسطا وهو الكسر لأنه وسط اللسان ، والضم من الشفة ، والفتح من أقصى الحلق ، فلهذا خص بالجر.
واعلم أن (عن) تكون اسما وحرفا ، إذا كانت اسما دخل عليها حرف الجر وصارت بمنزلة الناحية كقولك : زيد من عن يمين عمرو. قال الشاعر (٢) :
فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلها |
|
يمينا ومهوى النجم من عن شمالك |
__________________
(١) في الأصل : موصولة. وقد أثبت ما يناسب المعنى.
(٢) البيت من البحر الطويل استشهد به ابن الأنباري في أسرار العربية ٢٥٤ ورواية الشطر الثاني : يمينا وضوء النجم من عن شمالك ، وابن يعيش في شرح المفصل ٨ / ٤٠.