أبوه وزير المعتمد (١) ، فقد جرىٰ يوماً ذكر العلوية ـ أي المنتسبين إلى الإمام علي عليهالسلام ـ ومذاهبهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهمالسلام ـ والفضل ما شهدت به الأعداء ـ فقال : « ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هَديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة ، وتقديمهم إياه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس ».
فأنت ترى أن له عليهالسلام امتداداً من التعظيم في مواقع المجتمع كلّها ، سواء الذين يدينون بإمامته أو الذين يقفون ضدها ، وهو أمر يستحقّ التأمّل ، فكيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يحظىٰ بالتقديم على ذوي السن والخطر ؟ وأن يتمتع بهذه المنزلة العالية والمكانة الكبيرة عند القواد والوزراء ، وعامة الناس ، وهو في خط مضاد لموقع الخلافة ، بل ويزدحم حوله الذين ينصبون له ولآبائه عليهمالسلام العداوة ويكنّون لهم البغضاء ؟ لقد فرض الإمام عليهالسلام نفسه على الواقع كلّه ، بسموّه الروحي والخلقي ، وعناصر العظمة التي يختزنها في شخصه ، ونشاطه الحركي في أوساط الاُمّة.
ويتابع ابن خاقان حديثه فيقول : « فأذكر أنني كنت يوماً قائماً على رأس أبي ، وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل حجّابه فقالوا : أبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوتٍ عالٍ : ائذنوا له ، فتعجّبت ممّا سمعت منهم ، ومن جسارتهم
__________________
(١) وهو عبيد الله بن يحيى بن خاقان التركي ، ولد سنة ٢٠٩ ه ، واستوزره المتوكل والمعتمد ، واستمر في الوزارة إلى أن توفّي سنة ٢٦٣ ه ، وكان عاقلاً سمحاً جواداً حازماً. سير أعلام النبلاء ١٣ : ٩ / ٥ ، أعلام الزركلي ٤ : ١٩٨.