أ ـ من ذلك ما نقله ابن شهر آشوب عن أبي القاسم الكوفي في كتاب التبديل : أن إسحاق الكندي (١) ، كان فيلسوف العراق في زمانه ، أخذ في تأليف تناقض القرآن ، وشغل نفسه بذلك ، وتفرّد به في منزله ، فسلّط الإمام عليهالسلام عليه أحد طلابه بكلامٍ قاله له ، مما جعله يتوب ويحرق أوراقه.
وملخص الفكرة التي أبداها الإمام عليهالسلام للتلميذ ، هي احتمال أن يكون المراد بالآيات القرآنية غير المعاني التي فهمها وذهب إليها ، باعتبار أن اللغة العربية مرنة متحركة ، فقد يفهم بعض الناس الكلام على أنه الحقيقة وهو من المجاز ، وقد يفهم أن المراد هو المعني اللغوي والمقصود هو المعني الكنائي.
وطلب الإمام عليهالسلام من تلميذ الكندي أن يتلطّف في مؤانسة استاذه قبل إلقاء الاحتمال ، ووصفه عليهالسلام بقوله : « إنّه رجل يفهم إذا سمع ». فصار التلميذ إلى الكندي ، وألقى إليه ذلك الاحتمال ، فتفكر في نفسه ، ورأى أن ذلك محتمل في اللغة ، وسائغ في النظر.
فقال : « أقسمت عليك إلا اخبرتني من أين لك هذا ؟ فقال : إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك. فقال : كلا ، ما مثلك من اهتدى إلى هذا ، ولا من بلغ هذه المنزلة ، فعرفني من أين لك هذا ؟ فقال : أمرني به أبو محمد. فقال : الآن جئت به ، وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت. ثم إنّه دعا بالنار وأحرق
__________________
(١) كذا ، واسم الكندي إذا أريد به فيلسوف العراق فهو يعقوب بن إسحاق ، وكان معاصراً للإمام عليهالسلام حيث توفي سنة ٢٦٠ ه ، وقيل : إنّه همّ بأن يعمل شيئاً مثل القرآن : ثم أذعن بالعجز ... راجع : سير أعلام النبلاء ١٢ : ٣٣٧ / ١٣٤ ، الاعلام للزركلي ٨ : ١٩٥.