متوجهاً إلى ربه ، يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما هو عليه ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي ودمي قطّ فاعفني منه ، فعفاه وقال : انشدني شعراً أستحسنه ، فقال : إني قليل الرواية للأشعار. فقال : لابد أن تنشدني. فأنشده :
باتوا على قُلل الأجـبال تحرسهم |
|
|
|
غلب الرجـال فمـا أغتنهم القللُ |
|
واستنزلوا بعد عـزّ مـن معاقلهم |
|
|
|
وأسكنوا حفراً يا بئس مـا نزلوا |
|
ناداهم صارخ من بعد مـا قبروا |
|
|
|
أين الأسرةُ والتيجانُ والحـللُ |
|
أين الوجوه التي كانـت منـعّمة |
|
|
|
من دونها تضرب الأستار والكللُ |
|
فأفصح القبر عنهم حـين ساءلهم |
|
|
|
تلك الوجوه عليها الـدود يـقتتلُ |
|
قد طالما أكلوا دهراً ومـا شربوا |
|
|
|
فأصبحوا بعد طول الإكل قد أكلوا |
|