احترازيّة القيود تبتني على ظهورٍ عرفيٍّ سياقيٍّ حاليٍّ غير الظهور العرفيّ السياقيّ الحاليّ الذي تعتمد عليه الاخرى ، فالقاعدة تبتني على ظهور حال المتكلّم في أنّ ما يقوله يريده ، وقرينة الحكمة تبتني على ظهور حال المتكلّم في أنّ كلّ ما يكون قيداً في مراده الجدّيّ يقوله في الكلام الذي صدر منه لإبراز ذلك المراد الجدّيّ ، أي أنّه في مقام بيان تمام مراده الجدّيّ بخطابه.
وقد يُعترَض على قرينة الحكمة هذه : بأنّ اللفظ إذا لم يكن يدلّ بالوضع إلاّ على الطبيعة المحفوظة في ضمن المقيّد والمطلق معاً فلا دالَّ على الإطلاق ، كما لا دالَّ على التقييد ، مع أنّ أحدهما ثابت في المراد الجدّيّ جزماً ؛ لأنّ موضوع الحكم في المراد الجدّيّ إمّا مطلق ، وإمّا مقيّد ، وهذا يعني أنّه ـ على أيّ حال ـ لم يبيِّن تمام مراده بخطابه ، ولا معيِّن حينئذٍ لافتراض الإطلاق في مقابل التقييد.
ويمكن الجواب على هذا الاعتراض : بأنّ ذلك الظهور الحاليّ السياقيّ لا يعني سوى أن يكون كلامه وافياً بالدلالة على تمام ما وقع تحت لحاظه من المعاني ؛ بحيث لا يكون هناك معنىً لحظه المتكلّم ولم يأتِ بما يدلّ عليه ، لا أنّ كلّ ما لم يلحظه لابدّ أن يأتي بما يدلّ على عدم لحاظه ، فإنّ ذلك ممّا لا يقتضيه الظهور الحاليّ السياقي.
وعليه فإذا كان المتكلّم قد أراد المقيّد مع أنّه لم ينصب قرينةً على القيد فهذا يعني وقوع أمرٍ تحت اللحاظ زائدٍ على الطبيعة ، وهو تقيّدها بالقيد ؛ لأنّ المقيّد يتميّز بلحاظٍ زائد ، ولا يوجد في الكلام ما يبيِّن هذا التقييد الذي وقع تحت اللحاظ.
وإذا كان المتكلّم قد أراد المطلق فهذا لا يعني وقوع شيءٍ تحت اللحاظ زائداً على الطبيعة ؛ لأنّ الإطلاق ـ كما تقدّم ـ عبارة عن عدم لحاظ القيد ، فصحّ أن يقال : إنّ المتكلّم لو كان قد أراد المقيّد لَما كان مبيّناً لتمام مرامه ؛ لأنّ القيد واقع تحت اللحاظ وليس مدلولاً لِلَّفظ ، وإذا كان مراده المطلق فقد بيّن تمام ما وقع تحت لحاظه ؛ لأنّ نفس الإطلاق ليس واقعاً تحت اللحاظ ، بل هو عدم لحاظ القيد الزائد.