وتوفّي النبي صلّی الله عليه وآله ، وتقمّص الّذين كان يلهيهم الصفق بالأسواق عن تعلّم القرآن وأحكام الدين ـ حتى أبسط مسائله اليومية ـ الخلافة ، وآل أمرها إلى ما آل إليه . . . فقام سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام مقام النبي صلّى الله عليه وآله في حفظ الكتاب والسنّة وتعليمهما الناس ، والترغيب فيهما ، والحثّ عليهما . . . فهو من جهة يبادر إلى جمع القرآن مضيفاً إليه ما سمعه من النبي صلّی الله عليه وآله حول آياته من التفسير والتأويل وغير ذلك ، ويدرّس جماعة من أهل بيته وأصحابه ومشاهير الصحابة ممّا وعاه عن النبي صلّی الله عليه وآله من علوم الكتاب والسنّة ، حتى كان من أعلامهم الحسن والحسين عليهما السلام ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله بن مسعود ، وأمثالهم .
ومن جهة اُخرى يراقب ما يصدر عن الحكّام وغيرهم عن كثب ، كي ينفي عن الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .
فكان عليه السلام المرجع الأعلى لعموم المسلمين في جميع اُمورهم الدينية حتى اضطرّ بعض أعلام الحفّاظ إلى الإعتراف بذلك وقال : « وسؤال كبار الصحابة له ، ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله ، في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات ، مشهور » (٧) .
وهكذا . . . كان سعي أمير المؤمنين عليه السلام في حفظ القرآن بجميع معاني الكلمة ، وهكذا كان غيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام .
وكان الإهتمام بالقرآن العظيم من أهمّ أسباب تقدّم الإسلام ورقيّ المسلمين ، كما كان التلاعب بالعهدين من أهم الاُمور التي أدّت إلى انحطاط اليهود والنصارى ، فأصبح الهجوم على القرآن نقطة التلاقي بين اليهود والنصارى والمناوئين للإسلام والمسلمين ، لأنّهم إن نجحوا في ذلك فقد طعنوا الإسلام في الصميم .
لكن الله سبحانه قد تعهّد بحفظ القرآن وأن « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » (٨) فاندحروا في جميع الميادين صاغرين ، والحمدلله ربّ العالمين .
لكنّ « اُسطورة تحريف القرآن » مازالوا يردّدونها بين حين وآخر ، وعلى لسان بعض الكتّاب المتظاهرين باسم الإسلام وياللأسف ، يستأجرونهم لتوجيه الضربة إلى
____________________________
(٧) تهذيب الأسماء واللغات ، للحافظ النووي ١ : ٣٤٦ .
(٨) سورة فصّلت ٤١ : ٤٢ .