ملائمة العبارة المثبتة في النص للمعنى المراد.
كذلك هو بحاجة إلى جهد فني وذوق مقبول ، ومهارة فائقة في معرفة علامات التنقيط ومعرفة مواضعها من النص ، وتقطيع النص على أساسها بشكل يلائم مقاطع المعنى ويناسب اختلافه.
ومن هنا يدرك ـ كما أعتقد ـ أن تحقيق النصوص عمل جد جليل ، ومهمة أكثر من عملية التأليف صعوبة ، وتستدعي جهودا أكثر.
ذلك لأن المؤلف يملك مطلق الحرية في انتخاب الكلمات ، ووضع ما يلائم مقصودة منها في النص الذي يؤلفه ، وله الحق في الحذف أو الزيادة ، وفي التقديم أو التأخير على ذلك الأساس.
لكن المحقق للنص ، يفقد مثل هذه الحرية ، بل هو مقيد بالتزام الأمانة التامة ـ إذا أراد أن يؤدي مهمته بصدق وإخلاص وجدارة ـ في تقديم النص الثابت لدى المؤلف ، كما ألفه ووضعه.
فعلى المحقق أن يثبت في الكتاب ما يراه ـ حقا ـ أنه النص الذي ألفه المؤلف ، أن يقوم بضبطه بحيث لا يشذ عنه معنى مراد ، ولا يرد فيه شئ غير مقصود ، وهذا هو تمام الهدف من عملية تحقيق النصوص.
ومن هنا يدرك أيضا مدى خطورة هذا العمل فإذا لم يفهم المحقق النص ، ولم يدرك ما أراده المؤلف من الكلام ، فكيف يمكنه انتخاب الكلمات والألفاظ؟! وكيف يختار اللفظ الصحيح من بين الألفاظ الكثيرة المتفاوتة؟! وقد منيت أكثر النصوص بالتحريفات الفاحشة والتصحيفات الفظيعة التي تقلب المعنى رأسا على عقب.
وإذا لم يتم وضع اللفظ الصحيح ، فكيف يمكن للمراجع أن يعتمد على الكتاب ويستفيد منه؟!
وإذا كان النص المراد تحقيقه كتابا له قدسية لكونه تفسيرا للقرآن أو حاويا للسنة ، أو كتابا فقهيا يحتوي على أحكام الدين القويم ، فإن الخطورة تتضاعف ، حيث أن المحقق يقف أمام عقبة كأداء من حيث أن خطأه يؤدي إلى نسبة غير الحق إلى هذه المقدسات الشريفة.