معلومة الانتفاء وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء ، ووجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا (١) وبالجملة لا شبهة في الصغرى في المقام ، كما لا شبهة في كبرى لزوم اللطف فيما إذا كان خاليا عن الموانع والمفاسد ، وأما ما يتراءى من بعض الشبهات حول قاعدة اللطف في بعض المقامات كاستكشاف رأي المعصوم عقلا بقاعدة اللطف من الاجماع كما ذهب إليه الشيخ الطوسيّ ـ قدسسره ـ فهو من ناحية الصغرى لا من ناحية الكبرى ، وقد أشار إليه المصنف ـ قدسسره ـ في اصول الفقه فراجع (٢).
هذا كلّه بحسب الأدلّة العقليّة وأمّا الأدلّة السمعيّة الّتي تدلّ على لزوم وجود الإمام للناس فكثيرة جدا ولا بأس بالاشارة إلى جملة منها.
فمن الآيات : قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣) بتقريب : أنّ الخليفة حيث لم تكن مقيدة بالإضافة إلى مخلوق معين مما يؤكد أنّ الإنسان خليفة الجاعل لا غيره ، كما هو الظاهر من نظيره كقول رئيس الدولة : إنّي جاعل في هيئة الدولة خليفة ، فإنّ العرف يفهمون منه أن المقصود هو خليفة نفسه لا غيره.
هذا مضافا إلى أنّ المقام الّذي كان مطلوبا للملائكة هو مقام الخلافة الإلهية لا مقام خلافتهم عن الماضين من المخلوقات الأرضيّة فالمراد هو جعل الإنسان خليفة له تعالى.
وحيث لم يذكر جهة الخلافة ، كانت الخلافة ظاهرة في كون الإنسان خليفة له في مختلف الشئون وكافة الامور ، كما أنّ عدم ذكر ما استخلف عليه
__________________
(١) شرح تجريد الاعتقاد : ص ٣٦٢ الطبع الحديث.
(٢) اصول الفقه : ج ٢ ص ١٠٨.
(٣) البقرة : ٣٠.