بمفادها كما لا يخفى.
قال العلّامة الطباطبائي ـ قدسسره ـ : «إنّ الإمام وقف على حقايق العالم ، كيف ما كان بإذنه تعالى سوء كانت محسوسة أو غير محسوسة ، كالموجودات السماويّة والحوادث الماضية والوقائع الآتية ، وتدلّ على ذلك الروايات المتواترات المضبوطة في الكافي وبصائر الدرجات وبحار الأنوار وغيرها» (١).
الرابع : أنّ ما أشار إليه المصنّف في قوله من أنّ الحدس الّذي ربّما يتفق في الإنسان غايته هو الإلهام على ما قرّره الفلاسفة المتقدمون لعلّه إشارة إلى ما قرّره صدر المتألهين في الأسفار في معنى الحدس والذكاء حيث قال : ومنها الحدس ولا شك في أنّ الفكر لا يتم إلّا بوجدان شيء متوسط بين طرفي المجهول لتصير النسبة المجهولة معلومة ، وكذا ما يجري مجراه في باب الحدود للتصور ، لما تقرّر أنّ الحدّ والبرهان متشاركان في الأطراف والحدود ، والنفس حال كونها جاهلة كأنّها واقعة في ظلمة ظلماء ، فلا بدّ من قائد يقودها أو روزنة يضيء لها موضع قدمها ، وذلك الموضع هو الحد المتوسط بين الطرفين ، وتلك الروزنة هو التحدس بذلك دفعة ، فاستعداد النفس لوجدان ذلك المتوسط بالتحدس هو الحدس ، ومنها الذكاء وهو شدة هذا الحدس وكماله وبلوغه وغايته القصوى هو القوّة القدسيّة الّتي وقع في وصفها قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) وذلك لأنّ الذكاء هو الامضاء في الامور ، وسرعة القطع بالحق ، وأصله من ذكت النار وذكى الذبح وشاة مذكّاة أي يدرك ذبحها بحدة السكين (٢) ، ولا يخفي عليك أنّ أنواع الإلهام لا تنحصر في الحدس والذكاء لإمكان الإفاضات بدون ذلك كما أشرنا إليه ، وكيف كان فمما ذكر يظهر أنّ علومهم لا تنحصر في
__________________
(١) بحثى كوتاه درباره علم امام : ص ٣٤.
(٢) الاسفار : ج ٣ ص ٥١٦.