ثم لما قصروا على أنفسهم المسافة ، مدّة امتداد مسّ الآفة ، (١) وغصب الخلافة بإناطة صحّتها فيها على مجرّد اختيار الامّة ، ونفوا اشتراط النصّ والعصمة في الأئمة ، ليتّسع لكلّ جلف جافّ بيّن الكثافة ، (٢) تصدّى الخلافة بلا توجّه ملامة ، وتوقّع مخافة ، عن الكافّة ، وجعلوا ذلك من الأصول المطاعة ، وأهمّ مقالات المتّسمين بأهل السنّة والجماعة ، لا جرم كلّ من جاء بعدهم متقمّصا للسّلطنة (٣) والإيالة مع خلّوه عن العصمة والعدالة ، بادر إلى تعظيم علماء المتّسمين بأهل السنّة واستمالتهم ، ومال إلى تكريم شأنهم وترويج مقالتهم ، وأبغض علماء الشيعة الحاكمين بجلافتهم القائلين : بعدم صّحة خلافتهم ، فقد كان لهذه الفرقة النّاجية (٤) ، خصماء عظماء جهلاء سفهاء ، وأعداء أشدّاء وأغوياء و
__________________
وبهذا المضمون عدة روايات بأسانيد مختلفة ، منها روايتا عبد الله بن عمر ، وأبي هريرة وغيرهما عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أورد بعضها الحاكم في المستدرك وغيره في غيره فليراجع.
(١) لا يخفى لطف تقابل لفظي المسافة ومس الافة.
(٢) قال الجزري في النهاية : في الحديث فجائه رجل جلف جاف. الجلف : الأحمق ، وأصله من الجلف ، وهي الشاة المسلوخة التي قطع رأسها وقوائمها ، ويقال للدن ايضا.
جلف ، شبه الأحمق بهما لضعف عقله. وقال : في الحديث ، من بدا جفا بالدال المهملة ، أى من سكن بالبادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس ، والجفاء غلظ الطبع منه «قده»
(٣) لا يخفى ما في العدول عن لفظي الخلافة والوصاية الى السلطنة والايالة من الإيماء الى كونهم متقمصين من غير أهلية لذلك ، وأن سلطتهم على المسلمين ليست من باب الخلافة.
(٤) التعبير بهذه الكلمة وقع اقتباسا واتباعا من قوله صلىاللهعليهوآله : ستفترق أمتى على اثنين وسبعين كلها هالكة ، وواحدة منها ناجية ، وقد ذكر علامة الجمهور في عصره السيد ابراهيم الراوي البغدادي من مشايخنا في رواية صحاحهم ذات يوم في مجلس درسه للبخاري : أن حديث افتراق الامة على العدد المذكور مما رواه اعلام القوم