أتى بالواجب بأمر اضطراري أو ظاهري ، فيصحّ البحث عنه من الجهتين ، ومعه يصحّ عقد المسألتين ، فلاحظ.
إذا عرفت ذلك يقع الكلام في مقامات ثلاثة :
الأوّل : في إجزاء امتثال كلّ أمر عن التعبد به ثانياً
إنّ إجزاء امتثال الأمر عن التعبّد به ثانياً من أوضح القضايا وأبدهها ، والوجه في ذلك أنّه لو لم يسقط ، فإمّا أن يبقي ملاك الأمر ، أو لا. والأوّل خلاف الفرض ، إذ لا معنى لبقاء الملاك مع الإتيان بالمأمور به ، لأنّ إتيان المأمور به محصِّل لغرض المولى ، بلا زيادة ولا نقيصة ، ولولاه لما أمر به ، ومع ذلك كيف يمكن القول ببقاء الغرض وعدم حصوله؟ والثاني أوضح فساداً لاستلزامه ثبوت الإرادة الجزافية للمولى ، إذ لا يأمر إلّا لتحصيل الغرض ، وقد حصل بالامتثال الأوّل ، فلا معنى لبقاء الغرض ثانياً ، وهل هذا إلّا كبقاء المعلول مع زوال علّته.
وإن شئت قلت : إنّ عدم السقوط ، سببه أُمور كلّها محكومة بالبطلان ، فعدم السقوط إمّا :
لأجل تعدّد المأمور به ، والمفروض عدمه ، إذ هو نفس الطبيعة.
أو لأجل عدم حصول الغرض. وهو خلف أيضاً ، لأنّ المفروض انّ المأتي به علّة ، لحصوله وإلّا لما أمر به.
أو لأجل بقاء الأمر مع حصول الغرض ، وهذا يستلزم الإرادة الجزافية.
فإن قلت : إنّ أبا هاشم (المتوفّى ٣٢١ ه) والقاضي عبد الجبار (المتوفّى ٤١٥ ه) المعتزليَّين ذهبا إلى أنّ الإتيان بالمأمور به على وجهه لا يقتضي الإجزاء ، واستدلّا عليه بما إذا أفسد المكلّف حجَّه بالجماع فتجب عليه الإعادة كلّما تمكّن.
قلت : إنّ الحجّ إمّا أن يكون فاسداً ، كما إذا جامع عن علم ؛ أو صحيحاً ،