أقول : ظاهر عنوان المسألة انّ هنا أمرين : أمراً بالفرد الواقعي ، وأمراً بالفرد الاضطراري ، والكلام في إجزاء الامتثال الثاني عن الامتثال الأوّل. ويظهر ذلك من أكثر المتأخّرين الذين عكفوا على دراسة هذه المسألة بعد الشيخ الأنصاري (قدسسره).
ولكن الحقّ انّ هنا أمراً واحداً وخطاباً فارداً لعامة المكلّفين من دون فرق بين المختار والمضطر ، وهو قوله سبحانه : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (١) ، غير انّ امتثال ذلك الأمر يختلف حسب اختلاف حالات المكلّفين من صحة وسقم ، وقدرة وعجز ، فيصلي السليم المتمكن ، قائماً بالطهارة المائية كما يصلّي السقيم العاجز قاعداً بالطهارة الترابية ، فالاختلاف يرجع إلى كيفية امتثال الأمر الواحد بالنسبة إلى اختلاف حالات المكلّفين ، ونظير الآية السابقة قوله سبحانه : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (٢) حيث إنّ ظاهر الآية وحدة الأمر في الحاضر والمسافر غير انّ المسافر يجوز له أن يُقصِّر تلك الصلاة ويجعلها ركعتين من دون أن يختلف أمر الحاضر والمسافر.
ومثل الآيتين قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (٣) إلى أن قال : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(٤) ، فالآية ظاهرة في أنّ كلّا من الواجد والفاقد للماء يقصد أمراً واحداً لكنّهما يختلفان في كيفية إيجاد الجامع الصادق على الفردين ، فأحدهما يأتي بها بالطهارة المائية والآخر يأتي بها بالطهارة الترابية ، فكلا الفردين من مصاديق الصلاة التي أمر بهاجميع المكلّفين على اختلاف حالاتهم.
والمبرِّر لوحدة الأمر مع اختلاف المتعلّق في الكيفية هو كون الطبيعة ذات
__________________
(١) الإسراء : ٧٨.
(٢) النساء : ١٠١.
(٣) المائدة : ٦.
(٤) المائدة : ٦.