نعم انّ هذا النوع من النهي التنزيهي قليل جداً والغالب في النواهي التنزيهية هو الإرشاد إلى قلّة الثواب مع كون العمل محبوباً في ذاته لو أتى به ، ففي مثله لا يكون النهي مسوقاً لبيان الحكم التكليفي بداعي الزجر والردع عنه ، بل يكون مسوقاً لبيان قلّة الثواب ولأجل ذلك أفتى المشهور بصحّة الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها أو الصلاة في مرابض الخيل والبغال والحمير ، ومعاطن الإبل ، أو الصلاة على الطرق والأرض السبخة والمالحة ، أو في بيت فيه خمر أو مسكر ، وما هذا إلّا لأنّ النهي في هذه الموارد إرشاد إلى قلّة الثواب وليس متضمناً لحكم شرعي كاشف عن كونه مرغوباً عنه.
هذا كلّه حول النهي المولوي سواء أكان تحريمياً أم كان تنزيهياً (كراهية) فقد عرفت دلالة النهي فيهما على الفساد للوجهين الماضيين.
الثالث : النهي الإرشادي
إنّ النهي كالأمر ينقسم إلى مولوي وإرشادي ، أمّا المولوي كقوله سبحانه : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (١) وأمّا الإرشادي كقوله سبحانه : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) (٢) على القول بانّ النهي فيه إرشاد إلى الفساد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ القضاء في دلالة النهي الإرشادي على الفساد يتوقّف على تعيين المرشد إليه للنهي ، إذ له أقسام :
أ : أن يكون إرشاداً إلى الفساد كقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» فانّ معناه أيّتها المكلّفة لا تصلّ ، لأنّ الصلاة في هذه الحالة لا تكون صحيحة.
__________________
(١) الاسراء : ٣٢.
(٢) النساء : ٢٢.