المرتكز في الأذهان هو أنّ كل سبب تكويني يطلب معلولاً خاصّاً ، فكل من النار والشمس تُفيض حرارة مستقلّة من غير فرق بين أن تتقارنا أو تتقدّم إحداهما على الأخرى ، فإذا كان هذا هو المرتكز في الأذهان ، وسمع صاحب هذا الارتكاز من المعصوم قوله : إذا نمت فتوضأ ، وإذا بلت فتوضأ ، ينتقل إلى أنّ كلاً من النوم والبول يطلب وجوباً مستقلاً ، وأن أثر كل واحد غير أثر الآخر ، والارتكاز الموجود في الأذهان يوجب انعقاد ظهور خاص للقضية ، وهو حدوث الوجوب عند حدوث كل شرط مستقلاً مطلقاً.
وبهذا يقدّم ظهور الصدر على ظهور الجزاء في وحدة المتعلّق الآبية عن تعلّق الوجوبين ، وليس هذا من قياس التشريع على التكوين حتى يقال بأنّه أمر باطل ، بل هو من باب جعل الارتكاز العرفي في العلل التكوينية قرينة على انتقال العرف إلى مقتضى مثلها في العلل التشريعية.
وبذلك ظهرت قوّة الوجه الأوّل وضعف الوجه الثاني.
هذا كلّه حول التداخل وعدمه في الأسباب ، وإليك البحث في تداخل المسببات.
في تداخل المسببات
إذا ثبت في البحث السابق عدم التداخل ، وأنّ كل سبب ، علّة لوجوب مستقل ، فحينئذ يقع الكلام في مقام آخر ، وهو إنّ تعدّد الوجوب هل يقتضي تعدّد الواجب أو لا؟
وبعبارة أُخرى : إنّ تعدّد السبب كما يقتضي تعدد الوجوب ، فهل يقتضي تعدد الامتثال أيضاً ، أو لا يقتضي ، بل يكفي في امتثال كلا الوجوبين ، الإتيان بمصداق واحد نظير امتثال قول القائل : أكرم العالم واكرم الهاشمي بضيافة العالم