وبذلك يظهر أنّ أساس المفهوم هو الحفاظ على جميع الخصوصيات إلّا كيف القضية من السلب والإيجاب.
ثم إنّه (قدسسره) رَتب على ذلك البيان بأنّ المنطوق لما كان قضية كلّية فلا بد من الحفاظ عليه في جانب المفهوم أيضاً أخذاً بالضابطة في باب المفهوم ، فقوله (عليهالسلام) : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء» قضية سالبة كلية ، فلا بد أن يكون المفهوم موجبة كلية أيضاً ، فلا يكون هناك أي اختلاف إلّا في السلب والإيجاب ، فيكون المفهوم هو قوله : إذا لم يكن الماء قدر كر ينجسه كل شيء.
يلاحظ على ما ذكره : بأنّ ما ذكره من الضابطة إنما يتمّ في الخصوصيات المذكورة في المنطوق كيوم الجمعة في المثال الأوّل ، واستغراق جميع الأفراد في المثال الثاني (إن جاء زيد فاكرم العلماء).
وأمّا إذا كانت الخصوصية مستفادة من السياق في المنطوق فلا يمكن الحفاظ عليه عند انقلاب القضية إلى كيف آخر ، وذلك كالاستغراق في قوله : «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء» فإنّه مستفاد من سياق الكلام ، أي من وقوع النكرة بعد النفي ، فبما أنّ المفهوم على طرف النقيض من المنطوق في جهة الكيف يكون المفهوم حكماً إيجابياً ، فينتفي وقوع النكرة في سياق النفي ، ومعه لا يستفاد منه العموم فمثلاً :
إذا قال : إن جاءك زيد لا تكرم أحداً ، لا يكون مفهومه إذا لم يجئ زيد «أكرم كل أحد» وما هذا إلّا لأنّ العموم كان مستفاداً من سياق الكلام ، وقد تبدّل سياقه من النفي إلى الإثبات ومن السلب إلى الإيجاب ، فكيف يمكن حفظ العموم في جانب المفهوم مع زوال السياق؟ فإذا زال ما يدل على العموم عند الأخذ بالمفهوم ، كيف يمكن الأخذ بمعلوله وأثره؟